الخسارة الثانية للتيّار... معركة رئيس الأركان! (عبدالله قمح)
2024-01-22 07:25:43
كلما طال أمد مماطلة وزير الدفاع موريس سليم في شأن رفع اقتراح تعيين رئيسٍ للأركان في الجيش والشواغر في المؤسسة العسكرية، كلما انعكس الموضوع سلباً عليه. أضحى سليم مسؤولاً عن حالة فراغ بمفاعيل كارثية. وإزاء ما سبق أن قدّمه من كتب، بات معنياً مباشراً، تُلقى عليه لائمة التأخير، وتزيد مسؤولياته في أعقاب ذلك، دون أن يكون بريئاً.في حمى البحث عن التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، أعلن سليم عبر كتاب مرسل من قبله إلى رئيس حكومته نجيب ميقاتي بتاريخ منتصف كانون الأول المنصرم، أنه عازم على القيام بـ"المقتضى عبر الإجراءات الإدارية المتعلقة بوضع حدّ نهائي للشغور المرتقب في قيادة الجيش وفي رئاسة الأركان، وذلك في ضوء ما جرى التفاهم حوله في الإجتماعات معكم". منذ ذلك الوقت، إختفى سليم واستقال من أداء أي دور متصل، وحصر الإقتراحات بين يديه ولم يقدم على رفعها أو الإشارة إلى عزمه على ذلك، ما فُهم لاحقاً أن الغرض من إرسال الكتاب لم يكن إلاّ لأمر واحد: تحصين نفسه وإظهار تعاونه وكي لا يتهم بالعرقلة، وكان يهدف إلى شراء المزيد من الوقت.الآن عدنا حيث بدأنا. يتعمد الوزير الإمتناع عن رفع أسماء مقترحة من قبله للمراكز الشاغرة في المجلس العسكري كما وعد، لمجموعة مناصب مهمة تتصل حكماً بوضعية الجيش: في رئاسة الأركان (درزي)، والمديرية العامة للإدارة (شيعي) والمفتشية العامة (أرثوذوكسي). وفي كل مرة تحاول أطراف سياسية التواصل معه حيال الملف، ولا سيّما كبار الساسة كرئيس مجلس النواب نبيه بري، يقول إنه ما زال يبحث في الموضوع، وأنه في صدد رفع اقتراحات وبحثها. ثم يمرِّر جملاً كلاسيكية مستهكلة، كالتشديد على حضور المؤسسة العسكرية ودورها، دونما ظهور أي بوادر من جانبه حيال العمل فعلاً على تنظيم شؤونها.هذا بالضبط ما أوصل قيادات، من بينهم الرئيس بري، إلى الإستنتاج أن سليم غير مقبل أو مستعد أو جاهز لرعاية حل في المؤسسة العسكرية، وإن قرار البتّ في هذا الملف ليس عائداً إليه، إنما مرتبط حصراً بقرار مرجعيته السياسية المتمثلة في "التيار الوطني الحر"، وقد يكون بات أسيرها.*********هذا الإستنتاج وغيره، دفع بالرئيس بري مثلاً إلى التواصل مع الرئيس ميقاتي على مراحل، بعدما جرى تواصل لأكثر من مرة (تخلّلتها زيارات) مع موفدين إشتراكيين مقرّبين من الزعيم وليد جنبلاط، الباحث عن إيجاد حل لملف رئيس الأركان المحسوب عليه، والراغب في تعيينه بعدما انتهى من مسألة التمديد لقائد الجيش، لاستطلاع رئيس الحكومة حول مدى استعداده لعرض هذا الملف على طاولة مجلس الوزراء والتقرير فيه.*********وفق المعلومات، وضع الرئيس نجيب ميقاتي بصورة مطلب الأفرقاء، من الرئيس بري إلى وليد جنبلاط مروراً ب"حزب الله". ويُفترض في هذه الحالة أن يحسم أمره باتجاه البتّ به، على الأقل، من خلفية التشاور حوله داخل مجلس الوزراء. وما شكّل عاملاً إيجابياً أيضاً يخدم نظرية الطرح، حصول خرقٍ على مستوى موقف تيار "المردة". وعلم "" أن الوزير السابق سليمان فرنجية عدّل في موقفه خلال العشاء الأخير في كليمنصو، وأعطى الضوء الأخضر لتعيين رئيس الأركان، ما شكّل عاملاً إضافياً يخدم تغطية التعيين.ونزولاً عند ما تقدم، كان ميقاتي قد وعد أو عمّم جواً قبل أكثر من أسبوعين، حاكى مخرجاً يعمل عليه، ويتخلله وضع بند رئاسة الأركان والشواغر في المؤسسة العسكرية على جدول أعمال أول جلسة حكومية، والتداول فيه، أو على الأقل توفير أجواء للتداول بالملف من خارج جدول الأعمال. غير أن ثمة من نصح ميقاتي حينها بالتريّث، فيما يتردّد على نطاقٍ ضيّق أن ميقاتي لجأ إلى إثارة الموضوع في الإعلام بغرض ممارسة ضغوطات على وزير الدفاع لتليين موقفه وإعادته إلى "بيت الطاعة". لكن في ظلّ استمراره في اتباع نفس الأسلوب وأخيراً ظهور رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، بموقفٍ يصرّ خلاله على عدم المشاركة في جلسات مجلس الوزراء أو رفض مشاركة وزرائه، بات ميقاتي ملزماً بالتحرك.عملياً، وفي جديد الملف، يتوقّع أن يدرج ميقاتي بند "تعيين رئيسٍ للأركان في الجيش" على جدول أعمال أول جلسة حكومية يتوقع أن تنعقد خلال الأسبوع الجاري، أو الذي يليه على أبعد تقدير. وأفيد أن ميقاتي بدأ فعلاً سلسلة إتصالات ومشاورات على صعيد القوى للوصول إلى تفاهمات حوله ولدعم إدراج البند. لكن يبقى السؤال، هل الجو السياسي العام في البلاد يخدم (أو يدعم حقاً) مثل هذه الخطوة، وهل ستبقى معزولة عن إجراءات أخرى يتوقع أن تطال المؤسسة العسكرية كملف التشكيلات؟في الواقع، ما يدفع صوب الذهاب إلى مجلس الوزراء فضلاً عن الإتهامات للوزير بالتخلّي عن دوره، حالة ولدت ويمكن اعتبار أنها تخدم نظرية الذهاب إلى تعيين رئيس للأركان من خارج اقتراح وزير الدفاع وإنما المرور فوقه، يتصل باعتبار الوزير "متقاعساً عن تولي مسؤولياته لجهة سدّ الفراغ في المؤسسة العسكرية، أو أنه لا يقوم باللازم من أجل سدّ الفراغ". وليس سراً، أن أطرافاً عدة عادت إلى خبراء في الدستور والقانون من أجل الإجابة على سؤال واحد: هل تستطيع الحكومة ورئيسها، السير في التعيين من خارج النص واقتراح الوزير ربطاً بتقاعسه. ويُقال إن بعض الإستشارات صبّت في خانة "تبرير المحظور حفاظاً على المؤسسة".هذا يبرّر، بنظر هؤلاء، فضلاً عن الأسباب التي عمل على استيلادها الوزير بتعطيله بتّ التعيين، تخطّيه في مسألة رفع الأسماء ربطاً بقاعدة إدارية أساسية: "الضرورات تبيح المحظورات، ومن أجل تسيير المرفق العام"، فيما يكون للوزير في ما بعد حقّ النقض من خلال الطعن بالقرار.
عبدالله قمح