من المفروض والواجب المهني أن أكتب مباشرة عن مسرحية " مش بس عالميلاد" بعد المشاهدة، وخلال العروض من أجل شكر فريق العمل على جهودهم في زمن غياب المسرح، وعملهم رغم واقع لبناني وعربي قاحط، وللمساهمة في لفت نظر عشاق المسرح لمتابعة العمل، ولكن لظروف خاصة وعامة، والوضع في الجنوب اللبناني حيث نزرع الشهداء في أرض لبنان لنعيش بحياة كريمة كان التأخير. اعتذر من الجميع، واحاول اختزال المتابعة احتراماً لجهود الشباب، وتقديراً للأخوين فريد وماهر الصّباغ.
#التحية
" مش بس عالميلاد" مسرحية غنائية تأليف ومشاركة في البطولة الأخوين فريد وماهر صباغ، وبطولة يوسف الخال ودارين رميا، وبالاشتراك مع ريمون صليبا وانطوانيت عقيقي، وكل من جوزيف آصاف وبولين حداد ورفيق فخري وآلان العيلي وطارق شاهين وصبايا فريد الصّباغ ماريا وجاين وسارا...وعدد كبير بين ممثلين واعضاء فرقة الرقص. والسينوغرافيا من تصميم رامي الصّباغ، والأزياء من تصميم كلير شرف...كلهم يلعبون على مسرح " جورج الخامس" في منطقة آدونيس.
قبل الولوج ببعض ما شاهدته أرغب بتقديم تحية تقدير للأشقاء فريد وماهر حيث اختارا الفن الصعب في الزمن الأصعب، وجهودهما بدأت تثمر حضوراً لافتاً رغم التعثر في كثير من مطبات فنية وحياتية!
نحترم ما يقوما به، و كلمة" الأخوين" جميلة، تذكرنا بالأخوين رحباني اسمياً وليس بمستوى الإنتاج والفكر فالزمن اختلف كلياً، ومن الواضح في هذه المسرحية تأثرهما موسيقياً بالكبير الياس الرحباني، أما شكل المسرح الديكور الأزياء وطبيعة ملابس الراقصين وبساطة استخدام الفكرة الحوار السينوغرافيا فكان التأثير الكبير بالراحل الصديق المميز روميو لحود .
شكراً للأخوين فريد وماهر لبالهما الطويل ولأحلامهما في خوض الفن في لبنان، ولتقديمهما المسرح في بلد لم يعد فيه ما يذكرنا بالمسرح الفني، ومسرحه السياسي فضيحة دائمة!
#العمل
مسرحية " مش بس عالميلاد" تتألف من فصلين، الفصل الأول يتكون من 6 مشاهد خلال ساعة ونصف تقريباً...والفصل الثاني يتكون من 5 مشاهد بأقل من ساعة تقريباً...وتتحدث عن قرية تشبه لبنان بانقسامات عائلاتها، والمناصب والزعامات والفساد بين رئيس البلدية والمختارة، وضياع القرية بين السماسرة أبناء البلد والاغراب والعنف والحقد الطائش، وعلاقة حب تصبح عداوة، ومحاولة من الأشقاء مجيد وميلاد لتوحيد القرية عبر تأسيس فرقة أو جوقة الميلاد من عائلاتها، ومنها اللحام والدهان والحجار والنجار والطبال والصايغ والحداد والخياط والحلاق والطحان والراعي والبستاني...
الفكرة جميلة رغم عدم جديدها على صعيد الموضوع والطرح، وعابها الحوار الركيك، وبعض الأداء التمثيلي الضعيف كما لو كان ارتجالاً وكرفع عتب لتمرير الوقت، ومعالجة الحرب والمشاكل بهذه البساطة حتى لا أقول سذاجة!
كان المفروض التركيز على الحوار كعمق شريك في المشهدية ولعبة الدراما، أو استشارة من يعنى بكتابة الحوار، ولو قسمنا العمل والغينا الحوارات، واكتفينا باللوحات الاستعراضية لكانت النتيجة أفضل بكثير مع الاهتمام أكثر بالفرقة الراقصة فحركتها المسرحية لم تكن متوافقة مع طبيعة اللحن والغناء والحدث في كثير من اللوحات، والخطوات الراقصة لم تنسجم مع الفريق ككل، وحتى بعض اللوحات الراقصة تتطلب مشهدية تتوافق مع أزياء مغايرة كلياً للوحة المسرحية الراقصة احياناً كثيرة وللموضوع!
صحيح النص نظيف، ولا يوجد فيه كلمات نابية، وحركات غرائزية فاقعة وعبيطة ومقحمة، وهذا لم نعد نراه في مسرحنا، ويصلح لعروض الأطفال مع بعض التحفظ خاصة في حركة الرقص!
بعض المقطوعات الغنائية جميلة، فيها كلمات تنسجم مع النغمة اللحن، وجاء الأداء ناعماً من غير التكلف، ومن الواضح جهود فريد وماهر تتميز هنا، أي هنا ملعبهما ولا مغامرة كما حال النص.
#التمثيل
في الواقع لم أتمكن من معرفة جميع الممثلين، فقط اكتفي بمن عرفتهم:
* فريد وماهر الصّباغ كان بالإمكان تقديم شخصيتهما بطريقة مغايرة كلياً، وأحياناً لم يقدما الأداء التمثيلي المقنع خاصة حينما ذهب كل منهما لاستقطاب واقناع الشاب والشابة بالعدول عن الغربة!
* كارين رميا فنانة جاهزة للتمثيل والغناء والاستعراض، جميلة الصوت والغصن، أنيقة الأداء وواضحة في مخارج حروفها، المسرح يحبها، ورشاقتها تخدم العمل والمشاهد التي تكون فيها...نجمة مسرحية مقبلة علينا بثقة.
* يوسف الخال، لم يقنعني في التمثيل الذي جاء كرفع عتب، ربما حظنا لم يوفق في ذاك اليوم فجاء الأداء عابراً...وحتى حركته الاستعراضية بطيئة رغم غنائه الصح، واجمل مشاهده كان ظهوره الأول في الحلم، وغناء الراب في المشهد الرابع من الفصل الأول، ومن ثم حضوره لم يكن بمستوى موهبته واسمه.
لا شك هو من نجومنا في الدراما، ونحترم اختياراته، ولكنه هنا لم يوفق في تجسيد الشخصية، وعليه لعبها ببساطة لا بنجومية!
* ريمون صليبا الأكثر تميزاً في التمثيل بين الجميع، قدم شخصيته بذكاء وخبرة وبراعة وببساطة، وكان الواجب دعم الشخصية في الفصل الثاني أكثر...اضحكنا من القلب.
* انطوانيت عقيقي فنانة تمتلك تجربة تجعلها تعرف كيفية الحركة المسرحية، رشيقة وحاضرة، انصح بالتخفيف من الصراخ في بعض المشاهد، ومع ذلك حضورها لافت، واضحكتنا بنظافة الكوميديا.
* بولين حداد ممثلة جميلة تؤدي دورها كما يرسم لها، نطقها سليم، ومخارج حروفها تصلنا بسهولة، رشيقة تتحرك بخفة جميلة، عاب حضورها الحوار الضعيف، وضعف كتابة الشخصية رغم أهمية دورها لو تنبهوا لذلك.
* جوزيف آصفان ممثل جيد، حضوره محبب، والشخصية تاهت في الفصل الثاني، ومع ذلك كممثل مسرحي جاهز ينقصه التمرين على أداء الصوت المرتفع مع حركة الجسد، وهذا يتحمله المخرج وليس هو.
* رفيق فخري كممثل له حضوره، ولكن مساحة الشخصية لم تخدم الموهبة، وحواراته لم تخدم العمل، ورغم أهمية الشخصية كفكرة إلا أن الإسقاط جاء خارج الحبكة الدرامية وأقحمت اقحاماً.
* أعجبني الديكور وبساطة استخدامه ولم اعرف من قام به، وإذا كان المقصود السينوغرافيا فهذا هو الخطأ الكبير فالديكور كما الإضاءة والممثل وكل كادر المشهد تعنى السينوغرافيا كرؤية مخرج!
السينوغرافيا جميلة في لوحات وأقل من عادية في مشاهد تتطلب رؤية اخراجية بمشهدية تخدمها!
والأزياء اعتمدت على اللون الأحمر، كانت بارعة وملفتة في لوحات، وغير منسجمة مع لوحات ثانية اعتمدت على الغناء، وبصراحة حالها كحال الاستعراضات متفاوتة تتطلب أكثر دراية ودراسة!
*** مسرحية " مش بس عالميلاد" فيها متعة غنائية وبصرية مسلية تحتاج التركيز في النص، وقراءة بعض المشاهد وحركة الممثلين، والتنبه إلى أن الحركة في المسرح تحتاج إلى تبرير... ولكن...!