منذ الجلسة الـ12 التي عقدها المجلس النيابي في 14 حزيران من العام الفائت لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولم تسفر عن أيّ شيء كما سابقاتها من الجلسات، دخل الملف الرئاسي في “كوما” لم يخرج منها حتى الآن، إذ عدا عن أنّه لم تعقد طيلة الأشهر الستّة الماضية أيّ جلسة نيابية لهذه الغاية، فإنّ المداولات حول ملء الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى كانت شبه غائبة، وإنْ حضرت فقد كان ذلك بخجلٍ شديد.
وأسهم، بشكل رئيسي، في تراجع الإهتمام الداخلي باستحقاق رئاسة الجمهورية وإنهاء الفراغ المستمر فيها منذ قرابة سنة و4 أشهر، العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في القطاع في 7 تشرين الأول الماضي، ردّاً على ما تقوم به دولة الكيان من إعتداءات بحقّ المسجد الأقصى والفلسطينيين، إذ غدا منذ ذلك الحين ما يحصل في قطاع غزة الهمّ الشاغل للجميع، وتقدم على عداه من ملفات.
ما يدلّ على ذلك أنّ الموفدين العرب والدوليين الذين لا يغيب أحدهم عن لبنان إلّا ويطلّ الآخر، لم يعودوا يطرحون على المسؤولين اللبنانيين خلال لقاءاتهم بهم الملف الرئاسي كأولوية، ولا يطرحونه إلّا بشكل عابر، لا بل يكادون يتجاهلونه كليّاً، بعدما باتت الحرب الدّائرة في غزّة وامتدادها إلى لبنان الحاضر الأبرز في اجتماعاتهم ومناقشاتهم.
لكنّ الحَرَاك الداخلي اللافت الذي قام به رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية في مطلع الأسبوع الجاري، وهو كان محط اهتمام ومتابعة في الأيّام القليلة الماضية، كسر جموداً طويلاً خيّم على الملف الرئاسي، من خلال اللقاء الذي جمعه مع النائب السّابق وليد جنبلاط، الإثنين الماضي، في منزل الزعيم الدرزي في بيروت، بعدما قام جنبلاط الإبن ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب تيمور جنبلاط بزيارة الزعيم الزغرتاوي في بنشعي، بعد لقائه مع فرنجية الإبن النائب طوني فرنجية، مهّد للقاء الموسّع الذي اعتبر بنظر كثيرين خرقاً في جدار الملف الرئاسي الجامد.
حضور فرنجية على السّاحة الداخلية بشكل أظهره أنّه المرشّح الوحيد الجدّي والثابت لرئاسة الجمهورية بين مرشحين يطوي أحدهم الآخر، وكشف لقاءه وجنبلاط أنّ الأخير يمهّد للقيام بـ”نقلة” نحو تأييد ودعم ترشيح فرنجية، بعدما اعتبر أنّه أدّى قسطه للعلى مع قوى المعارضة، بتحالفه معها في دعم النائب ميشال معوض ومن بعده وزير المال السّابق جهاد أزعور، من غير أن تستطيع المعارضة تحقيق ما تنشده، بينما يمكن أن يحقق داعمو فرنجية، إذا ما تحالف جنبلاط معهم، غايتهم بإيصاله إلى كرسي الرئاسة الأولى.
غير أنّ هذا الحَرَاك الداخلي لا تكتمل فصوله إلا إذا لاقاه حَرَاك خارجي، إقليمي ودولي، من قبل الدولة المعنية والمؤثّرة في الملف اللبناني، فمن دونها سيبقى الحَرَاك الداخلي يدور في حلقة مفرغة إلى حين أن تقول هذه الدول كلمتها.