باختصار، هذا ما يتميّز به التيار الوطني الحر لبنانياً، وهذا ما رسمه رئيسه جبران باسيل أمس الأربعاء على OTV، متطلعاً إلى الغد، بلغة واقعية فصّلت كل التحديات والحلول.
فقد أظهر باسيل تداعيات الحرب في فلسطين لجهة سقوط ركائز الفكرة الصهونية وفي طليعتها أمن الإسرائيليين و"أرض الميعاد"، طالما أنَّ إسرائيل ترتكِز إلى منطق الغلبة، الذي شدَّد على ألا نجاح له في مقابل الإرادة الفلسطينية للقتال دفاعاً عن "أرض الأجداد". وأرفق باسيل تداعيات الحرب بالتمسّك بحقوق لبنان وقوّته المتمسكة بالمقاومة، في موازاة تحديد موقف "التيار" منها ب"لبنانية" المطالب، طالما أن مهمة تحرير فلسطين تقع على عاتق الفلسطينيين أنفسهم، ولم ترد أساساً في وثيقة التفاهم مع حزب الله. وفي إطار الحقوق اللبنانية، رفع من سقف المطالب في وجه طروحات آموس هوكشتاين، وجامعاً بين تحرير الأرض كاملة وتطبيق ال1701 على الجانب الإسرائيلي وحفظ الثروات، بتأكيد حق العودة للاجئين الفلسطينيين وضرورة عودة النازحين السوريين.
وفي وقت أكد الإنفتاح رئاسياً ومبادرة "التيار" المستمرة لتسهيل الحل، جدد التمسك بالمرشح الإصلاحي كشرط لنجاح أي رئيس مقبل، مشيراً إلى أن خيارا سليمان فرنجية وجوزف عون لا يلتقيان مع الركائز المطلوبة في التوافق والإصلاح. وفي وقت أكد أهمية اللامركزية الإنمائية وخارطة الطريق للدولة المدنية، جدد مد اليد لجميع القوى السياسية، من تلك المسيحية إلى الثنائية الشيعية، في سبيل التوافق على مساحات مشتركة.
والإستشراف المستقبلي لم يتوقف على النظام السياسي وآفاقه، ذلك أن رئيس التيار الوطني الحر جدد التمسك بأهمية النموذج اللبناني في مواجهة الأحادية الإسرائيلية التي تبرر الحقد والعنف بقراءات دينية. وقد أعاد التشديد على أهمية الدور المسيحي الريادي في لبنان، رابطاً بينه وبين تجربة العيش الواحد والمحافظة على الحرية والخصوصية، رافضاً تجربة الإنعزال والتشبه بالمثال الإسرائيلي الذي لم يوصل سوى إلى الهزيمة والخراب، ولا يزال يستعمل في إطار غرائزي لدى الشباب، من دون أن يقدم حلاً لهم ولمعضلات البلد.
وفي إطار المقابلة الشاملة، وجه باسيل مواقف للداخل في التيار الوطني الحر، مستذكرة التاريخ النضالي في المواجهة، ليخلص إلى أن النواة الصلبة هي طليعة البقاء والتجذّر التي تعيد استنهاضَ نفسها في مواجهة كل مشاريع الهجوم والإرهاب الفكري.
على خطٍ لبنانيٍ مواز، كان هوكشتاين يصل لبنان ويلتقي رئيسي المجلس النيابي وحكومة تصريف الأعمال نبيه بري ونجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون، مزاوجاً بين التحذير من مخاطر الحرب الإسرائيلية وبين دعوته لفتح باب التفاوض والتمسك بالحل الدبلوماسي.
وفي الميدان استمرت الإشتباكات في الجنوب واستهداف إسرائيل المدنيين، ما أدى إلى شهيدين مدنيين في حانين، ورد حزب الله بقصف عنيف للمستوطنات الإسرائيلية وفي طليعتها كريات شمونة التي استهدفت بأكثر من ثلاثين صاروخاً، كما طاول القصف الإسرائيلي وادي الحجير لأول مرة منذ اندلاع الحرب. وإقليمياً احتجزت البحرية الإيرانية ناقلط نفط إيرانية، كما تعرضت سفينة بريطانية للهجوم قرب بحر عمان.
غير أن الحدث الأهم، كان افتتاح محكمة العدل الدولية محاكمة إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية بجهود قادتها جنوب إفريقيا، التي تعرضت لهجوم إسرائيلي إعلامي كبير وصل إلى درجة وصفها بأنها الذراع القانونية لحركة "حماس". وعلى الرغم من أن الإلزام العملاني غير متوقع لأي قرار من المحكمة، يبق الأهم التداعيات المعنوية على الكيان الذي كان يقدم نفسه بأنه "واحة للديموقراطية والحرية" في الشرق الأوسط، في الوقت الذي بنى ركائزه على قتل الشعوب والمجازر والتهجير في أبشع صور الجرائم في العصر الحديث.