بعد خمس سنوات على بداية الأزمة المالية والمصرفية واحتجاز الودائع، بات واضحاً للعيان التعاطي المُحبط من قبل القضاء اللبناني مع قضية المصارف. وكيف لقضاة أن يحموا المصارف والمصرفيين من الملاحقة والمعاقبة على مدار سنوات من غير أن يكون بينهم ارتباطات وثيقة تحت مظلة سياسية تغطي الطرفين؟
وإذا كان لدى بعض القضاة علاقات تجمعهم مع المصارف، ومن ورائها من سياسيين، فإن ذلك لا ينطبق على كافة القضاة. ولكن يبقى السؤال إن كان ثمة قضاة مشهوداً لهم بالنزاهة، لماذا لم يصل ملف الودائع اليوم إلى خواتيمه؟ ولماذا لم تتم ملاحقة أي مصرفي؟ والأهم كيف يمكن للمودعين اليوم حماية حقوقهم؟تكبيل القضاءعلى الرغم من وجود آلاف الدعاوى اليوم بحق مصرفيين أمام القضاء، لم نشهد أي ملاحقات لأي مصرفي، وهذا لا يعني أن كافة القضاة متواطؤون، إنما يعني أن رأس الهرم بالأجهزة القضائية والمحاسبية والرقابية جميعها، مترابطة بمصالح مع المصرفيين، ومن ورائهم من سياسيين، فعدد كبير من هؤلاء حولوا أموالهم إلى الخارج خلال سنوات الأزمة، وبمساعدة مدراء في المصارف، ومنها مبالغ ضخمة، على ما يؤكد مصدر مصرفي في حديث إلى "المدن". وحتى زمن قريب جداً تستمر هذه الحالات في وقت نعجز فيه نحن العاملين في المصارف عن تحويل أموالنا أو الإفراج عنها.
ويرى أحد القانونيين المتابعين لملف الودائع، أنه غالباً ما تصطدم الدعاوى القضائية بعوائق غير محسوبة، موضحاً بأن مفاصل الجسم القضائي مكبّلة بقضاة مستعدون لحماية مصالح السياسيين ومعهم المصرفيين على حساب القانون والعدالة، مستبعداً أي أمل بتنظيف الجسم القضائي بشكل تام "فتنظيف الجسم القضائي يتم عادة على القضاة الضعفاء أما المتمكّنون سياسياً فلا يمكن المس بمصالحهم".
ويقول المحامي في حديثه إلى "المدن": ليس جميع ملفات المصارف مع المودعين عالقة اليوم في القضاء، بل هناك الكثير منها يتم البت بها. كما أن هناك دعاوى وصلت إلى مرحلة الحجز على ممتلكات وعقارات مصارف.اللجوء للقضاء ضرورةوعلى الرغم من سوداوية المشهد في المحاكم، يدعو مصدر قضائي المودعين للجوء إلى القضاء لحماية حقوقهم "فلا مخرج للأزمة سوى بالقانون. ومن واجب القضاء حماية أصحاب الحقوق" ويرى المصدر أنه من الأجدى للمودع اليوم التحلي بالصبر والانتظار وعدم الموافقة على سحب وديعته مع خسارة نسبة عالية من قيمتها. لأن الإصرار اليوم على تقاضي الوديعة سيدفع المصرف إلى سدادها بموجب شيك يقل عن قيمته الحقيقية بأكثر من 85 في المئة. وهناك مودعون وافقوا على عروض المصارف بسداد نسبة معينة من وديعتهم، لاسيما أولئك المضطرون لسحب أموالهم لتأمين معيشتهم، "لكن على المودع اليوم التحرك باتجاه القضاء لحفظ الحقوق عبر رفع دعاوى".
أما عن عدم وصول الدعاوى القضائية إلى خواتيمها واسترداد الودائع، يوضح المحامي أنه انطلاقاً من الدعاوى التي يتابعها محامون بحق المصارف ومن الضمانات التي يوفّرها القانون، يمكن القول إن الدعاوى القضائية قد تحفظ حق المودع لاحقاً، لاسيما تلك التي تتم متابعتها، فالمودع سيحفظ حقه من خلال الدعوى في حال وصولها إلى وضع إشارة على ممتلكات أو أحد عقارات المصرف.
بمعنى آخر، مهما حصل لاحقاً سواء أفلس المصرف أو تمت تصفيته أو بيعه أو حتى استمراره، فلا يمكن أن يتم التخلص من الإشارة على العقار إلا بموافقة صاحب الحق. وبذلك يكون المودع قد حفظ حقه. ومهما كانت قيمة الوديعة صغيرة حتى لو كانت 1000 دولار فقط يمكن للمودع الطلب بالحجز الاحتياطي على ممتلكات المصرف، على ما يقول المحامي المتخصص بقضايا المصارف.
من هنا، على المودعين القيام بالاجراءات القانونية، حتى وأن لم يحصلوا على نتائج فورية بالواقع، فعليهم حفظ حقوقهم بالحجز الاحتياطي على ممتلكات المصارف. هذه الحال تعيدنا بالذاكرة إلى سنوات ما قبل الأزمة عام 2019 حين كانت المصارف تقيم مئات الدعاوى على عملائها، فتحجز على سياراتهم وبيوتهم ورواتبهم عندما يتخلّفون عن سداد أقساط البطاقات المصرفية أو قروضهم وغير ذلك. أما اليوم، فالصورة باتت معكوسة، وعلى المودعين ملاحقة المصارف عبر القضاء بتهمة التخلف عن السداد.