بحلول بعد غد الأربعاء، 5 كانون الأوّل (ديسمبر) الجاري، يكون قد مرّ شهران على العدوان الذي يشنّه جيش الإحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة، غداة العملية النوعية، “طوفان الأقصى”، التي نفذتها المقاومة الفلسطينة في قطاع غزّة في 7 تشرين الأوّل الماضي، وما تزال مستمرة وبضراوة أكثر، من غير أن يلوح في الأفق القريب أيّ بوادر بقرب إنتهائها.
ومع أنّ كثيرين توقعوا أنْ تؤدي الهدنة التي استمرت أيّاماً قليلة، الأسبوع الماضي، جرى خلالها تبادل أسرى بين الطرفين، المقاومة والكيان، فإنّها بدت مثل “إستراحة” بين الشّوطين، إذ لم تلبث بعدها أن اندلعت المعارك بشدّة وعنف أكثر من السّابق.
خلال فترة الشّهرين المنصرمين، كشفت المعارك الدائرة في قطاع غزّة ومشارفه، وداخل الأراضي المحتلة، وعلى جبهة جنوب لبنان، عن نتائج أولية ـ سياسية وأمنية ـ بالغة الأهمية، من أبرزها:
أولاً: لم تحقق إسرائيل الجزء الأكبر من أهداف عمليتها العسكرية في القطاع، من تحرير أسراها، إلى ضرب البنية العسكرية للمقاومة، والقضاء على حركة حماس إلى جانب فصائل المقاومة في القطاع، وإعادة الأمن والإستقرار إلى المستوطنات المحاذية للقطاع التي هجرها سكانها بالكامل، ووضع حدّ لإطلاق الصواريخ من القطاع باتجاه المدن والمستوطنات في العمق الإسرائيلي، وقبل ذلك كلّه إستعادة “هيبة” جيش الكيان التي سقطت سقوطاً مدوياً، وسقطت معها مقولة عاشت منذ نشأة الكيان في عام 1948 عن أنّه “جيش لا يُقهر”، وأثبتت عملية طوفان الأقصى أن المقاومة قادرة على كسر المعادلات التي وضعتها إسرائيل طيلة أكثر من 7 عقود.
ثانياً: تعدّ الحرب الدائرة في قطاع غزّة الأطول في تاريخ الحروب التي خاضها جيش الكيان منذ نشأته. ففي عام 1967 خاض حرباً في مواجهة 5 جيوش عربية خلال 6 أيّام، فأطلق عليها إسم “حرب الأيّام الستّة”، أسفرت عن هزيمة مدوية لهذه الجيوش، وعن سيطرة إسرائيل على مساحة واسعة من الأراضي (كامل فلسطين، والجولان وسيناء وغور الأردن) لم تكن تحلم يوماً بالسيطرة عليها.
وخلال اجتياح لبنان عام 1982، إستطاع الجيش في ثلاثة أيّام (من 6 حزيران حتى التاسع منه) إجتياح الجنوب والوصول إلى مشارف العاصمة بيروت؛ وفي 5 أيّام كان جيش الإحتلال الإسرائيلي يسيطر على ثلث مساحة لبنان، قبل أن يترجم ذلك بعد نحو شهرين ونصف تقريباً من تحقيق إنجاز سياسي غير مسبوق، تمثل في الإتيان، على ظهر الدبابات الإسرائيلية، ببشير الجميل رئيساً للجمهورية في 23 آب (أغسطس) من العام نفسه.
كلّ الإنجازات العسكرية السّابقة التي حققها جيش الإحتلال الإسرائيلي أصبحت من الماضي. فمنذ تحرير الجنوب اللبناني عام 2000، بدأت القوّة العسكرية الإسرائيلية في التراجع، وظهر ذلك في عدوان تمّوز عام 2006 الذي استمر 33 يوماً، وفي الحروب الستّة التي خاضها الجيش الإسرائيلي ضدّ قطاع غزّة بعد انسحابه منه العام 2005، وصولاً إلى اليوم، إذ غدا ما بعد “طوفان الأقصى” مختلف عن ما قبله، بعدما انقلبت كلّ المعادلات السّابقة، التي استمرت طيلة 7 عقود، رأساً على عقب، ورسمت معالم وضع سياسي وعسكري جديد في فلسطين والمنطقة والعالم ستبدأ معالمه بالظّهور تباعاً.