الجميع في لبنان يعلم محدودية الدور الفرنسي. أن تستقبل القوى السياسية والشخصيات الرسمية جان إيف لودريان، وأن ترحّب بمسعى فرنسي للوساطة، لا يعني أنها تراهن كثيراً على نتائج هذا الدور. ومن هذا المنطلق، يمكن قراءة آفاق جولة لودريان ومحادثاته اللبنانية، حتى أنه هو شخصياً تجنب الكلام بعد لقاءاته التي لا تزال مستمرة.
وفي وقت تتوفر معطيات عن بداية تحريك للملف الرئاسي، لكن الحسم فيه ينتظر جلاء الصورة في غزة، لا بما تعكسه ميدانياً بل بالخلاصة التي ستنتهي إليها لجهة توزيع الأرباح والخسائر، وتكريس الجالسين على طاولة المفاوضات مواقعهم. على أن "التقريش" الذي يلمّح إليه البعض لبنانياً وعلى مستوى الرئاسة تحديداً، ليس وحده كافٍ لاستيلاد رئيسٍ لجمهورية تحتاج إلى مقاربات غير تقليدية لأزمةٍ وجودية.
وقد التقى لودريان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس المجلس النيابي نبيه بري وقائد الجيش العماد جوزف عون والرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، على أن يستكمل لقاءاته بعد مع القوى المسيحية خاصةً.
على خط مواز، وفي حين يفتح تراجع الحرب في الأراضي الفلسطينية الملفات الداخلية الشائكة، هربت حكومة تصريف الأعمال اليوم مجدداً من مناقشة إعادة هيكلة المصارف. ذلك أنه واضح أن منظومة المصارف وكما أفصح عن ذلك رئيس جمعيتها سليم صفير، ستستشرس حتى الرمق الأخير كي لا تدفع فلساً من أموالها الطائلة، ثمناً للخسارة التي كانت هي المسبب الأكبر بها، إضافةً إلى رياض سلامة والإدارة الفاشلة على مستوى النظام. ولذلك تأجل اليوم الأربعاء البحث مجدداً إلى جلسة أخرى.
وفي شأن الحرب التي تكبح استئنافها الهدنة الممددة، لفَّ الهدوء الحذِر غزة، لكن في موازاة تصعيد تعمد إليه إسرائيل في الضفة الغربية، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي عن اغتيال قائدين بارزين في مخيم جنين أحدهما قائد كتيبة جنين. وفي موازاة الحذر المترافق مع التهديدات التي يطلقها قادة الحرب الإسرائيليين وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو باستئناف الحرب، يبقى القرار الأول والأخير للولايات المتحدة، التي تعيد التفكير بحساباتها على ضوء المعطيات الميدانية. وواضح أن التفكير يتجاوز الواقع الميداني ليطاول المستقبل السياسي لغزة وأيضاَ للعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، وكيفية إنشاء وضع جديد، مع ما يتطلبه ذلك من أدوار إقليمية وعربية وغربية، لا تزال ضبابية حتى الساعة مع عدم جلاء الغبار عن وقائع الميدان وخلاصاته وخاصة لجهة تكريس فصائل المقاومة الفلسطينية دورها وثباتها في أرضه