عند متابعتك للمؤتمرات الصحفية التي يجريها قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي وأعضاء حكومة نتنياهو، هل تساءلت لماذا تبقى العديد من الأسئلة دون إجابة واضحة فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة؟ وهل تساءلت لماذا تكون أسئلة الصحفيين متواضعة للغاية، وإجابات المسؤولين الإسرائيليين غامضة جداً، وأن الحجج والأدلة التي يعرضها جيش الاحتلال لتبرير جرائمه ضد المدنيين هي اعتداء على ذكائك؟ الإجابة قد تكون صادمة، إذ إن تلك الممارسات في الحقيقة هي استراتيجية إعلامية مدروسة ومنظمة بشكل جيد لتشويش الواقع وتضليله وحتى تحريفه، وذلك ضمن استراتيجيات يعتمدها الاحتلال في حربه الإعلامية والنفسية على الفلسطينيين، ومن بين تلك الاستراتيجيات ما جاء في الدليل السري للدفاع عن إسرائيل، وهو دليل أشرفت عليه منظمة إسرائيلية أميركية.
أعدّه صهيوني أميركي بعد حرب إسرائيل على غزة سنة 2009
في العام 2009، طلبت منظمة “مشروع إسرائيل”، وهي منظمة إسرائيلية يقع مقرها بالولايات المتحدة من منظم استطلاعات الرأي الجمهوري الصهيوني، فرانك لونتز، إعداد دليل إعلامي جديد محدث للقادة الإسرائيليين الذين هم على الخطوط الأمامية لخوض الحرب الإعلامية لصالح إسرائيل بعنوان “قاموس اللغة العالمي لمشروع إسرائيل”أو ما يعرف بـ الدليل السري للدفاع عن إسرائيل.
اعتمد لونتز في تأليفه الدليل السري للدفاع عن إسرائيل على بعض الأمثلة التي نجح فيها قادة دولة الاحتلال من خداع العالم وقادته، ومن بينها خداع الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز العالم في مؤتمر دافوس سنة 2009، وذلك من أجل ابتكار استراتيجية قادرة على تحييد منتقدي إسرائيل وتعزيز مكانتها الإعلامية وتحسينها.
وبالفعل أخرج لونتز الدليل السري للدفاع عن إسرائيل، والذي يعدّ دليلاً خطوة بخطوة يوضح من خلاله “الكلمات التي تقال” و”الكلمات التي لا تقال” عند التحدث إلى المجتمع والساسة الغربيين.
وجاء الدليل السري للدفاع عن إسرائيل بعد الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة عام 2008، وهي الحرب التي فضحت فظاعة الاحتلال الإسرائيلي ومجازره في حقّ المدنيين والأطفال الفلسطينيين، وجاءت أيضاً بعد إدانة الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما للمستوطنات الإسرائيلية ومبادراته التقاربية تجاه إيران.
في البداية تم إعداد الدليل السري للدفاع عن إسرائيل للاستخدام الداخلي فقط وظل سراً، حتى تم تسريبه في خريف عام 2009، من قبل مجلة نيوزويك الأميركية.
يدعو الدليل إلى تضخيم معاناة الإسرائيليين وتبرير استهداف المدنيين الفلسطينيين
يفصّل الدليل السري للدفاع عن إسرائيل التعامل مع واحد من أخطر الملفات التي أرقت الاحتلال الإسرائيلي، وهي تبرير استهدافه للمدنيين والأطفال الفلسطينيين، في حروبه على غزة. فبينما توقعت استطلاعات الرأي التي أجراها معدّ الدليل لونتز بأن الجمهور الغربي، ينظر إلى أن جيش الاحتلال يبذل كل ما في وسعه لتجنب سقوط ضحايا مدنيين، ينصح الكاتب أن يتعاطف المسؤولون الإسرائيليون بنبرة هادئة مع المدنيين الفلسطينيين، وأن يميزوهم عن حماس وأن يستخدموا كلمات مثل المعاناة الحزينة أو المأساوية.
وبعد إثبات التعاطف مع الفلسطينيين، يحث الدليل المسؤول الإسرائيلي على استخدام توصيفات تفصيلية تضفي الطابع الإنساني على الإسرائيليين لتعظيم معاناتهم وتبرير استهداف المدنيين في غزة، وهذا ما جرى حرفياً في الدعاية الإسرائيلية لحربها الحالية على قطاع غزة، إذ ركزّ الإعلام الغربي بشكلٍ كلّي على معاناة الإسرائيليين، ثم تحوّل إلى تعاطفٍ جزئي مع المدنيين الفلسطينيين مع توجيه الاتهامات للمقاومة باتخاذهم دروعاً بشرياً.
ويورد الدليل أن على المتحدث بعد ذلك أن يوحي بأن معاناة الطرفين متكافئة وأن إسرائيل تريد السلام، لكن لا سبيل لتحقيقه مع جماعة إرهابية، على حد زعمه.
وفيما يخص الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة، يدعو الدليل إلى الإيحاء بأن قدرات الطرفين العسكرية متكافئة.
كما يحثّ المتحدثين على الربط دائماً بين حماس وإيران التي تعدّ العدو المشترك مع الولايات المتحدة، باستخدام أمثلة مثل 11 سبتمبر/أيلول والحرب على الإرهاب لحشد التعاطف الأميركي، مثلما حدث منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حرفياً.
بخصوص المستوطنات، يضع الدليل خطةً لتعامل المتحدثين الإسرائيليين مع الإعلام الغربي لإقناعه بشأن المستوطنات الإسرائيلية، وذلك من خلال إبعاد القضية عن المستوطنات ونحو السلام، واستدعاء التطهير العرقي.
كما ينصح الدليل السري للدفاع عن إسرائيل النقاد المؤيدين لإسرائيل أن يكونوا حذرين في لهجتهم، وأن لا يتحدثوا بنبرة متعالية مع الأوروبيين والأميركيين والتي من شأنها أن تنفّرهم من إسرائيل.
وبما أن القاعدة الإنجيلية الأميركية تدعم إسرائيل بالفعل، فإن القاموس يحذر من استخدام الحجج الدينية عند التحدث إلى اليساريين أو الليبراليين الغربيين، وذلك بحسب تقرير للجزيرة الإنكليزية.
لماذا يصرّ الدليل على القادة الإسرائيليين بالتحدث دائماً عن السلام؟
يشير الدليل السري للدفاع على إسرائيل إلى سببين لكون الحديث الدائم عن السلام من ألسنة المتحدثين الإسرائيليين مهماً جداً، الأول: إذا لم يرَ الأميركيون والغرب أي أمل في السلام -إذا رأوا فقط استمراراً لمسلسل دام 2000 عام من “العداء”-، فإن الأميركيين لن يرغبوا في أن تنفق حكومتهم أموال الضرائب أو نفوذ رئيسهم بشأن مساعدة إسرائيل.
والسبب الثاني: “المتحدث الذي يُنظر إليه على أنه أكثر تأييداً للسلام سيفوز بالمناظرة”، لذلك يصرّ الدليل على الحديث دوماً عن السلام وسبل تحقيقه، وهذا ما نسمعه دائماً من أفواه المتحدثين باسم الاحتلال.
غزة في الدليل السري للدفاع على إسرائيل
كانت غزة هي أحد الأسباب المباشرة لتغيير وتحديث آلة الدعاية الصهيونية ضد الفلسطينيين، وتأسيس الدليل السري للدفاع عن إسرائيل، والذي ركّز بصورة كبيرة على الحروب التي ستشنها إسرائيل على غزة بعد سنة 2009، والطريقة التي تؤدي إلى زيادة التعاطف الدولي مع إسرائيل، وتقليل تضامنهم مع المدنيين في غزة.
إذ يركز الفصل السادس من الدليل المكون من 18 فصلاً والمؤلف من 117 صفحة على الدروس المستفادة من حرب غزة 2009، ويقترح دبلوماسية عامة أكثر فاعلية في الحروب القادمة.
إحدى توصيات الدليل السري للدفاع عن إسرائيل والتي تستعمل حرفياً في الدعاية للحرب الحالية على قطاع غزة هي كما يلي:
“لقد قدمت إسرائيل تضحيات مؤلمة وخاطرت لإعطاء فرصة للسلام. لقد قاموا بإزالة أكثر من 9000 مستوطن طوعاً من غزة وأجزاء من الضفة الغربية، وتركوا منازلهم ومدارسهم وشركاتهم وأماكن العبادة على أمل تجديد عملية السلام.
وعلى الرغم من تقديم مبادرة للسلام من خلال الانسحاب من غزة، إلا أن إسرائيل لا تزال تواجه الهجمات الإرهابية، بما في ذلك الهجمات الصاروخية وإطلاق النار من سيارات عابرة على الإسرائيليين الأبرياء. وتعلم إسرائيل أنه من أجل تحقيق سلام دائم، يجب أن يتحرروا من الإرهاب وأن يعيشوا ضمن حدود يمكن الدفاع عنها”.
كما ينصح الدليل السري للدفاع عن إسرائيل إلى الترويج إلى مصطلح العمد عند تناول مسألة إطلاق المقاومة الفلسطينية صواريخها، في هذا الصدد يشير الدليل: عندما يحين وقت الحديث عن الصواريخ، فإن أفضل كلمة هي “متعمد”. لا تقل أن حماس تطلق الصواريخ بشكل عشوائي على إسرائيل. قل إن “حماس تطلق الصواريخ عمداً على البلدات والمجتمعات والسكان المدنيين الإسرائيليين”.
وينصح الدليل السري للدفاع عن إسرائيل المعسكرات المؤيدة لإسرائيل “باستخدام الأسئلة البلاغية للحصول على إذن من الجمهور لتصرفات إسرائيل الشنيعة في حق الفلسطينيين.
فعلى سبيل المثال: يطرح المتحدثين الأسئلة التالية: “ماذا يجب على إسرائيل أن تفعل؟ تخيل لو تم إطلاق آلاف الصواريخ على مجتمعك كل يوم وكل ليلة؟ ماذا ستفعل بلدك؟ ماذا تريد منهم أن يفعلوا؟ أليس من واجبنا حماية مواطنينا؟”.
خمس خطوات ينصح بها الدليل المتحدثين الإسرائيليين لكسب التضامن الإعلامي الغربي
ويختم الدليل السري للدفاع عن إسرائيل بخمس خطوات للحديث عن الضحايا المدنيين في غزة وتبرير استهدافهم وهي:
التعاطف: من خلال عبارات: “حياة الإنسان كلها ثمينة. نحن نفهم أن فقدان حياة فلسطينية بريئة هو أمر مأساوي تماماً مثل فقدان حياة إسرائيلية”، هذه الكلمات لطالما سمعنا مثلها من قبل المتحدثين الإسرائيليين والمتعاطفين معهم.
الاعتراف: من خلال عبارة “نحن نعترف بأن إسرائيل لا تنجح دائماً في منع وقوع إصابات في صفوف المدنيين…”، وجرى بالفعل الاعتراف بعدة عمليات قصف لجيش الاحتلال على غزة.
إبراز الجهد في حماية المدنيين: من خلال عبارة: “نحن ملتزمون ببذل كل ما في وسعنا لمنع سقوط ضحايا من المدنيين” وإعطاء أمثلة من قبيل: “دعني أخبرك كيف يتم تدريب قواتنا المسلحة وتكليفها وعملها لضمان بقاء المدنيين الفلسطينيين آمنين”.
قلب الطاولة: “إنها مأساة أن تطلق حماس المدعومة من إيران صواريخ على المدنيين لدينا وهم يختبئون في منازلهم.. وهذا يتسبب في وفيات مأساوية على كلا الجانبين”.
ويختتم الدليل هذا الفصل بأسوأ نصيحة ممكنة: “لا ينبغي لإسرائيل أن تعطي المزيد من الأراضي مقابل السلام، لأنها في كل مرة تفعل ذلك، فإنها تحصل على المزيد من الحرب”.