على وقع المتغيرات الإقليمية، يحط الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لو دريان رحاله في بيروت اليوم قادماً من السعودية، في زيارة يراد من خلالها تحريك المياه السياسية الراكدة عساها تسفر عن انتخاب رئيس للجمهورية وتعيد الانتظام العام الى الحياة السياسية والمؤسساتية.
وفيما لم يكشف لودريان عن سبب زيارته الحقيقي، تؤكد المعلومات انه آت الى بيروت بطلب من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وليس كمفوّض من اللجنة الخماسية كما حصل في المرتين السابقتين.
الى ذلك، تجزم مصادر مواكبة للحراك الديبلوماسي الفرنسي ان لزيارته غايتان، الأولى تتمثل في إيصال رسالة الى حزب الله وباقي الافرقاء مفادها بأن لا تنزلقوا الى الحرب الدائرة في غزة، لان ذلك من شأنه ان يؤدي الى الخراب. خاصة وان الفرنسيين والأميركيين متفقين على ضرورة حماية الحدود الشمالية لكيان الاحتلال والحفاظ عليها كمنطقة آمنة بعيدة عن الاشتباكات. وهو سيحاول في الوقت عينه ردم ما يمكن تسميته بـ”الهوة”، التي احدثتها تصريحات ماكرون حول حرب غزة في بداية “طوفان الأقصى” ووقوفه الى جانب العدو الإسرائيلي رغم كل المجازر التي ارتكبها، وما ترافق معه من قرارات اتخذها ماكرون بحق كل من يتظاهر دعماً للفلسطينيين.
من جهة ثانية، سيجدد لودريان خلال لقاءاته مع مختلف المسؤولين اللبنانيين الدعوة الى الاتفاق على اسم لانتخابه كرئيس للجمهورية، يلي ذلك تشكيل حكومة اصيلة تعمل على وضع الإصلاحات المطلوبة. اذ بنظر الفرنسيين لا يجوز ان تبقى البلاد بلا رئيس وحكومة تصريف اعمال ومجلس نيابي معطل. الا انه بات اكيداً ان الموفد الفرنسي لن يحمل معه أي طرح جديد للملف الرئاسي، ولن يتطرق حتى الى فكرة إيجاد مرشح ثالث يلقى موافقة جميع الأطراف، غير انه سيعمل على تعويم المبادرة الفرنسية الأولى والتي قوامها انتخاب رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه رئيساً للجمهورية واختيار الشخصية الأقوى في الطائفة السنية لتولي رئاسة الحكومة.
توازياً، يبدو ان لزيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي هدفاً آخر، يتمثل في محاولة فرنسا نيل حصتها من “الجبنة”، وسط كل ما يرسم من حدود سياسية جديدة في الشرق الأوسط، والتي فرضتها بحق المقاومة الفلسطينية، لا سيما بعد ان اثبتت المفاوضات القطرية – المصرية نجاحها في وقف اطلاق النار المؤقت. اذ تسعى باريس لان تكون بطريقة او بأخرى شريكة في هذا الانتصار علّها تستعيد بعضاً من دورها كـ”الام الحنون” الذي لطالما لعبته.
اذاً، فيما تحرص فرنسا على تلميع صورتها في المنطقة، ما زالت تمتلك من إمكانات لاظهار حرصها على لبنان ومصالح شعبه كونه نافذتها الوحيدة المتبقية على البحر المتوسط. فهل تحمل رحلة لودريان الرابعة بعض الانفراجات ام ان المراوحة ستبقى على حالها رئاسياً؟