عندما غادر الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان العاصمة اللبنانية بيروت، في 24 حزيران الماضي، في ختام جولته الثالثة فيها ساعياً وراء فتح ثغرة في أسوار إنتخابات رئاسة الجمهورية المقفلة منذ أكثر من سنة، وعد بأنّه سيعود إلى لبنان قريباً، لكنّ هذا الموعد القريب تأخّر أكثر من 5 أشهر، إلى أن أعلن مؤخّراً أنّه سيزور بيروت هذا الأسبوع.
أهداف زيارة لودريان المُعلنة هي أنّه سيحاول تسجيل خرق في الملف الرئاسي، مع الهدوء الحذر الذي يسود جنوب لبنان في موازاة سريان الهدنة في قطاع غزة، بالرغم أنّها هدنة لأيّام معدودة، وتحريك هذا الملف بعد الجمود الذي رافقه، إذ لم تسجل منذ مغادرة لودريان لبنان أيّ محاولة جدّيّة، داخلية أو خارجية، لإنهاء الفراغ في رئاسة الجمهورية منذ مغادرة رئيس الجمهورية السّابق ميشال عون قصر بعبدا في 31 تشرين الأوّل من العام الماضي.
فبعد ذلك إمتد الفراغ إلى مناصب رفيعة أخرى، من حاكمية مصرف لبنان المركز إلى منصب المدير العام للأمن العام، ويُهدّد بالتوسّع نحو مناصب رفيعة أخرى، يأتي على رأسها منصب قيادة الجيش الذي تنتهي ولاية قائده العماد جوزف عون في 10 كانون الثاني المقبل، ومنصب مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي تنتهي ولايته في شهر أيّار المقبل، من غير أن يلوح في الأفق أيّ أمل بالحؤول دون تمدّد رقعة الفراغ نحوهما.
وكان لافتاً أنّه حينما غادر لودريان لبنان في حزيران الماضي صرّح أنّ “الوقت لا يعمل لصالح لبنان”، أيّ أنّه كان يُدرك أنّ أيّ تأخير في ملء الفراغ وإبقاء هيكل الدولة قائماً أفضل من إستمرار الوضع على ما هو عليه الآن، لأنّ ذلك لا يعني شلّ مؤسّسات الدولة وتراجع عمل وإنتاجية القطاعات على اختلافها، إنّما أيضاً التهديد بانهيار شامل قد يؤدي في نهاية المطاف إلى “شطب لبنان عن الخارطة” مثلما صرح أكثر من مسؤول فرنسي في مناسبات مختلفة.
ومع أنّ لودريان وحكومة بلاده ومسؤولين في إدارة “الإمّ الحنون” أدركوا ويدركون أهمية الوقت بما يتعلق بالأزمة اللبنانية، فإنّ تأخّره 5 أشهر عن زيارة لبنان وتفعيل المبادرة الفرنسية لإنجاز الإستحقاق الرئاسي، يطرح شكوكاً فعليّة عن جديّة فرنسا واهتمامها بالملف اللبناني، لأنّه لو كان لديها هذا الإهتمام لما تأخّر موفدها 5 أشهر عن زيارة بيروت، ولما تركت لبنان يتخبّط في أزماته طيلة الفترة السّابقة من غير أن تبادر إلى القيام بأمرٍ ما، إلّا إذا كانت لا تريد أو لا تستطيع القيام بأيّ خطوة عملية.
إنطلاقاً من ذلك، تطرح تساؤلات عدّة حول جولة لودريان المقبلة، من أبرزها: ماذا يحمل الموفد الفرنسي معه في جعبته من حلول أو مبادرات أو إقتراحات؛ وهل أنّه هذه المرة يسعى وراء مصالح بلاده في لبنان كما جرت العادة من خلال الحصول على مكاسب سياسية وإقتصادية وأمنية، أم سعياً ـ ولو خجول ـ لمساعدة لبنان وإنقاذه؟