تأخرت الهدنة في غزة يوما واحدا بفعل محاولات إسرائيلية لتحسين بعض الشروط التي رفضتها حماس وأصرت على أن تبقى ضمن الآلية الموضوعة في الدوحة، ما أجبر العدو على الرضوخ والالتزام بمفاعيل الهدنة إعتبارا من اليوم الجمعة.
لا شك في أن الهدنة تؤسس لبداية إنتصار المقاومة في غزة وكل فلسطين، خصوصا بعدما فشل العدو في تحقيق أي من الأهداف التي أعلنها وفي مقدمها إنهاء حماس وتحرير الأسرى، وهي سقطت جميعها أمام الصمود الاسطوري للمقاومة الفلسطينية التي جاءت برئيس حكومة الاحتلال صاغرا الى طاولة المفاوضات.
يدرك نتنياهو انه عاجز عن تحقيق أي إنجاز سواء بتحرير أسير أو بإعتقال مجاهد، أو بإغتيال قائد أو بنسف نفق، أو بإحتلال أجزاء من غزة، ويدرك أيضا أن إمعانه في قتل المدنيين يضاعف من النقمة العالمية عليه ويحرج في الوقت نفسه الدول الداعمة له.
كما تدرك أميركا أن إسرائيل لا تستطيع حسم المعركة في غزة، وأنها لم تعد قادرة على تغطية هذا الكم الهائل من المجازر وقتل الأطفال والنساء أمام الرأي العام العالمي.
لذلك، أجبرت أميركا نتنياهو على الرضوخ للمفاوضات التي بنتيجتها أعلنت المقاومة بأن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال سيخرجون الى الحرية قريبا.
اليوم الساعة الرابعة مساء يُفترض أن تتم أول عملية تبادل بين ١٧ أسيرا مدنيا لدى حماس مقابل ٥١ أسيرا من النساء والأطفال في سجون الاحتلال، على أن يلي ذلك مراحل أخرى للتبادل بالتزامن مع مفاوضات ستستكمل حول الاسرى الاسرائيليين العسكريين، ما يوحي بالرغم من كل “العنتريات” التي يقوم بها نتنياهو حول إستمرار الحرب، بأن الهدنة ستكون “مطاطة” وقد تُمدد لأيام وربما ترتبط أيضا بالمفاوضات حول الحلول السياسية وصولا الى وقف إطلاق النار وإنهاء هذا العدوان الغاشم على غزة.
قبل أن تنتصر غزة بالهدنة، فقد إنتصرت بالسياسة والاعلام وبالالتفاف العالمي الكبير حولها والضغط الذي مارسه على أصحاب القرار الذين تراجعوا عن مواقفهم بنسب متفاوتة من الموقف الأميركي الى البريطاني والفرنسي وسائر أوروبا، فيما العجز القاتل ما زال يسيطر على الأنظمة العربية التي سبقتها شعوبها وعبرت عن نفسها وعن غضبها لكن لا حياة لمن تنادي.
يبدو أن زمن إنتصار العين على المخرز قد بدأ بالرغم من الثمن الغالي الذي دفعته غزة من لحمها ودمها وابنيتها ومؤسساتها ومستشفياتها، وهي اليوم تلتقط أنفاسها بالهدنة التي فرضتها على العدو وتستعد لإدخال المساعدات الانسانية والوقود والأدوية خلال أربعة أيام قابلة للتمديد وممنوعة فيها الأعمال العسكرية الصهيونية جوا وبحرا وبرا.
مع بدء مفاعيل الهدنة يضيق هامش المناورة لدى نتنياهو الذي من المفترض أن يواجه الغضب الشعبي الاسرائيلي عليه، خصوصا أنه فشل في تحقيق أهداف الحرب، وفشل في تعويم نفسه داخليا، وفشل في إستهداف يحيى السنوار ومحمد الضيف، وفشل في إقناع حلفائه في إستمرار الحرب، وفشل أيضا في نقل هذه الحرب بشكل واسع الى الجنوب حيث المقاومة الاسلامية وقوة ردعها وتوازن القوة الذي تحمي به لبنان من العدوان!..