بعد انتظار طويل دام لأشهر بعد عرض فيلم «Killers Of The Flower Moon» لأول مرة في مهرجان كان السينمائي أواخر مايو الماضي، يبدو أننا أمام ملحمة سينمائية جديدة وخالدة يرسمها النجم العالمي ليوناردو دي كابريو على الشاشة بريشة لا تقل عن براعة الرسام الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي، فالفيلم الذي تم عرضه أخيرا في صالات السينما يقدم للمشاهدين وجبة دسمة، بسبب طاقم العمل الذي أبدع المخرج العبقري مارتن سكورسيزي في اختياره، ففي البطولة يأتي دي كابريو بعد عامين من الغياب السينمائي، وبجواره يأتي النجم العملاق روبرت دي نيرو، بمشاركة النجمة ليلي غلادستون التي تنحدر من سلالة الهنود الحمر.
العمل يأخذ المشاهدين في رحلة عبر الزمن وتحديدا العشرينيات من القرن الماضي إلى ولاية أوكلاهوما، حيث تقع عدة جرائم قتل متسلسلة داخل قبيلة «أوساج»، التي أدت لمحو سكان أميركا الأصليين من تاريخها، وتستند الأحداث إلى كتاب غير روائي للكاتب ديفيد غران، الذي يحمل الاسم نفسه، ويروي سلسلة من الجرائم التي طالت شعب «أوساج» بعد اندلاع ثورة نفطية، والتحقيقات التي قام بها مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) لكشف ملابسات هذه الجرائم التي أصبحت معروفة آنذاك.
يشيد النقاد من مختلف أنحاء العالم بتميز «Killers Of The Flower Moon» في العديد من النواحي، مثل الأداء الرائع للنجوم والتصوير الاستثنائي، وإعادة إحياء التاريخ بشكل مذهل، فقد لبى الفيلم كل التوقعات بالفعل من إبداع في التمثيل والسيناريو والحوار، وإن كان البعض يعيب قليلا عليه بسبب طول مدة عرضه، فمدته بلغت 3 ساعات و26 دقيقة تقريبا، ليصبح واحدا من أطول أفلام السينما على الإطلاق.
أما بالنسبة لجودة الفيلم فحدث ولا حرج، حيث يقدم النجم ليوناردو دي كابريو واحدا من أفضل أدواره، إلى جانب النجمة ليلي غلادستون والتي نالت استحسان المشاهدين لتزداد التوقعات نحو حصدها جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن دور رئيسي لهذا العام، بينما جائزة أفضل ممثل فهي حتى الآن غير واضحة المعالم لكن دور دي كابريو يضمن له على أقل تقدير الترشح للجائزة.
ذلك النجاح الكبير للفيلم تجاريا وفنيا كان أمرا متوقعا كما ذكرنا، خاصة بعد عاصفة التصفيق أثناء عرضه في مهرجان كان السينمائي، حيث دام التصفيق في القاعة لقرابة 9 دقائق كاملة، ليثبت العمل جدارته كواحد من روائع السينما العالمية التي تتناول أفكارا مختلفة تثري عقل المشاهد، وأيضا متعة بصرية لا يمكن نسيانها بسهولة.
وقد ساهم المخرج مارتن سكورسيزي في كتابة سيناريو الفيلم بنفسه بجوار مؤلف الرواية ديفيد غران ومعهما كاتب السيناريو المخضرم إريك روث الحاصل على جائزة الأوسكار عام 1995 عن كتابته لسيناريو الفيلم العبقري «Forrest Gump» من بطولة النجم المحبوب توم هانكس، مما يشير لترشيح جديد محتمل للجائزة، وهنا نتوقف قليلا أمام سؤال يطرح نفسه: «هل السينما للنجاح التجاري أم الإبداع الفني أم مناقشة قضية؟»، وتأتي الإجابة في التصريحات الجريئة التي أدلى بها سكورسيزي في الكثير من المناسبات حول عدم حبه لأفلام «عالم مارفل» السينمائي أو حتى أفلام الأبطال الخارقين كلها باختلاف الشركة المنتجة، وهو رأي سائد في هوليود مؤخرا بسبب قلة الأعمال المتميزة، فمع تصاعد موجة أفلام الأبطال الخارقين شهدنا في الأعوام القليلة الماضية تراجعا كبيرا في جودة بقية أعمال هوليوود، وبالإضافة إلى أزمة إضراب الممثلين والكتاب الحالية هناك يزداد الوضع اشتعالا وضبابية يوما بعد يوم.
وأشار سكورسيزي في تصريحات صحافية الى ان فيلم «Killers Of The Flower Moon» وغيره من الأفلام مثل «أوبنهايمر»، و«باربي» المنتجين هذا العام قد أثبتت أن النجاح التجاري لا يتطلب صناعة فيلم عن الأبطال الخارقين، ولفت إلى أن السينما ليست سوقا تجاريا فحسب بل صناعة فنية من الطراز الأول، فليس النجاح التجاري وحده هو المقياس وأيضا ليس النجاح النقدي بل هي 3 عوامل يجب أن تتشابك لنهضة أي سينما عالمية، وهو الجانب التجاري وأيضا مناقشة فكرة أو قضية مهمة للناس، بالإضافة إلى أصل السينما نفسه كفن أصيل.