للمرة الأولى منذ 7 تشرين الأول، تتوفرُ فرصةٌ لالتقاطِ الأنفاس وحصول أبناء غزة على الحدّ الأدنى من المساعدات الإنسانية. وبعد طول مماطلة وبلبلة في الجانب الإسرائيلي، تمّت الموافقة على هدنة إنسانية لأيام أربعة قابلة للتمديد، تتوازى مع صفقة لتبادل أسرى ومعتقلين بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ومن شأن هذه الهدنة أن توفر نقاطاً إيجابية لكلٍ من الأفرقاء. فأبناء غزة يريدون فسحة بين الغارة والغارة وبين التدمير والقتل، وإدخال الحد الأدنى من مساعدات إنسانية وطبية ضرورية لتعزيز صمودهم، أما إسرائيل فتحتاجُ وخاصة رئيس حكومة حربها بنيامين نتنياهو، نقاطاً تعزز وضعه تجاه معارضيه ومنتقديه، وخاصة تجاه أهالي الأسرى الذين تتصاعد تحركاتهم الضاغطة على حكومة الحرب. أما "حماس" والفصائل المقاوِمة، فهي الأخرى تجد في الهدنة تأكيداً لمصداقيتها تجاه الفلسطينيين، وفرصة لإعادة التجهز لمواجهة القوات الإسرائيلية التي تتوغل في القطاع بكامل اندفاعها التدميري. على أن هذه الهدنة، تمتحن نيات إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، في استكمال الحرب بالوتيرة نفسها، وفي إعادة النظر بحسابات التدمير العبثية التي لم تؤدِ سوى إلى المجازر، من دون تحقيق الأهداف الإسرائيلية بضرب بنية "حماس" واستئصالِها.
ومن جهة ثانية، ومع استباق إسرائيل دخول الهدنة حيز التنفيذ، بادرت إلى تكثيف غاراتها على غزة، في رسالةٍ تتوخى الإنتقام وإبعاد صفة التراجع عن قرار الموافقة على الهدنة. ومن شأن ذلك، أن يرفع من نسبة المخاطر على الجبهة اللبنانية الجنوبية، حيث ارتفعت نبرة التحذيرات الدولية من تصعيد العمليات العسكرية، في وقتٍ واصلَ فيه حزبُ الله الردّ على الإستهداف الإسرائيلي بإبقاءِ المواقع العسكرية على طول الحدود، تحتَ سيف النار والصواريخ الموجهة.
لبنانياً، وفي الذكرى الثمانين لعيد الإستقلال، شُيعَ اليوم الأربعاء شهيدا الصحافة فرح عمر وربيع معماري إلى مثويهما الأخيرين، وسط حضورٍ شعبي كبير أكد الإلتفاف حول حرية الإعلام الحر المقاوِم، والتلاقي على المسلمات الوطنية وفي طليعتها مواجهة عدوانية إسرائيل. وقد وجه الرئيس العماد ميشال عون التعازي إلى "الميادين" وأهالي الشهيدين، مبدياً تأثره الكبير باستشهادهما مع ما يمثّلان من رسالةٍ وطنية إعلامية.
وعلى الخط الدبلوماسي، حطَ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في مواكبة لتداعيات الهدنة والمواقف الدولية المحذّرة من تصعيد العمل العسكري في جنوب لبنان، والتي تكثفّت أميركياً في اليومين الأخيرين.