دمشق- هدى العبود
لم يتوقف الكتاب المؤرخون عن كتابة تفاصيل الحرب السورية وتفاصيلها المعقدة، حتى انتقلت من أحاديث الجدات المولعة بتفاصيل شائقة ينتظرها أطفالنا وكبارنا مساء كل يوم، لاسيما أنهن أصبحن متشبعات بقصص المعاناة وما وصل إليه الحال ببلدهن، حتى جاء الكاتب السعودي ياسر الحسن ووضع يده على الجرح السوري الذي لم يندمل بعد، من خلال محاولة لتقديم مقترح لا يعلو فيه صوت المضمون على الشكل الفني، بل يستلهمه لتقديم بمستويات متعددة من خلال قراءة واقع جيل عانى اثني عشر عاما من ويلات حرب لا ترحم، وذلك بمسرحية «الباب».
«الأنباء» التقت الناقد والكاتب محمد حبوس فقال: ان صناع مسرحية «الباب» سواء من خلال المخرج غسان الدبس واهتمامه بالمسرح، عمدوا الى الهروب بالجمهور نحو أبعاد متنوعة متعددة من حيث مأساة الشخصيات التي تجسد الأحداث في زمان ومكان ملئ بالغموض، وكأنه يريد من خلال العرض تعويم المأساة السورية لتنطبق على العديد من البلدان التي عانت الظروف القاهرة في بلدنا، وملامسة أوجاعنا وأفراحنا بعيدا عن الفلسفة والتمنطق الذي سمع على مدار طويل من محللين وسياسيين ومثقفين، يجاريه بنفس الوقت تجمع العوائل السورية حول شاشة صغيرهم بجوار كبيرهم، مؤمنين بقيمهم الإنسانية والاجتماعية التي تربو عليها معززين تواصلهم الأسري للخروج من عنق زجاجة ضيق متعب ممل.
وأضاف الناقد محمد حبوس: المسرحية بدأت بالمهرج وسكرتيرته بالإضافة الى الموظف الحكومي، حضروا من أجل الوقوف على مزاد بيع لمنزل، لكن المفاجأة الكبرى أن أبطال الصفقة ممثلة بالفنان مجد مغامس بدور «المهرج» والسكرتيرة (رغد سليم) والموظف الحكومي الذي يرنو لما سيحصل عليه من عربون سمسرة جراء بيع البيت، يفاجأون بأن المنزل لم يعرض للبيع منه سوى بابه المزين والمرصع بالأحجار الكريمة، وان هذا المزاد عبارة عن سراب بمزاد وهمي بإدارة سمسار يدعى «حاتم أتمت» تمتع باللطف وحلاوة المنطق ولسان يقطر عسلا للزبون، فتارة يرهبه، وتارة أخرى يجعله يتمسك باقتناء هذا الباب ويأمل أن يباع المنزل اثر الباب، ويتبارى كل من حضر المزاد معلنا رفع السعر مرة والامتناع عن الزيادة مرة أخرى، وهنا تكمن المصلحة وفك رموز المسرحية بأبعادها الإنسانية وربما ابعاد أخرى من ترهيب وترغيب، ويبقى الوضع كذلك من بيع وشراء وشد وجزر الى أن نصل الى مثلث هندسي تفك طلاسمه مع دخول أي زبون وخروج آخر.
وأكمل: يبتلع من يرسو عليه المزاد، وهنا نشاهد صراعات كل من المهرج والسكرتيرة والموظف وخفايا قصصهم من استغلال السكرتيرة بالمجتمعات عامة، وليست المجتمعات العربية خاصة بصفقات مشبوهة لقاء حصولها على المال الذي هي بحاجته لعلاج أمها أو إعالة اخواتها والمقربين منها، وهنا نشاهد ان مهنة الرقص التي امتهنتها أودت بها الى مصير مزر، فتنهار وتذبل كأوراق الخريف الصفراء التي تودع الحياة جراء استغلالها من رب العمل الذي لا يفكر إلا بمصالحه الضيقة، ولا يقتصر الأمر عليها فقط، فهناك كما قلت مشاكل متشعبة، فالموظف ومتطلبات زوجته وتسلطها وغطرستها.
وأضاف حبوس: مسرحية «الباب» أعادتنا الى شخصيات موليير وشكسبير و«العنبر رقم ستة» لتشيخوف من خلال شخصية المهرج في بداية العرض بجزئه الأول، فقد كان فهمان يحلم بأن يصبح نجما مسرحيا او سينمائيا مشهورا، لكن آماله باءت بالفشل عندما وجد نفسه خارج السرب، وعاش صراعا مؤلما ما بين حب الحياة ومباهجها، لكن في دواخله سلم نفسه لمصير قد ينتهي به ربما طعاما لأسماك البحار، وهذا ما هو إلا إسقاط على ما آل اليه وضع السوريين من شيب وشابات وشباب وأطفال عندما ركبوا المجهول برا وبحرا وجوا، لفقدانهم أي نوع من الأمل، دعم ذلك من نقلات الإضاءة التي اعتمدها اياد العساودة لتمرير شحنات انفعالية مركزة دعمت عمل الممثلين وقدمت البعد الرمزي للباب الذي هو المفتاح الأصلي لمعنى المسرحية بأبعادها، لكن تنهار الشخصيات واحدة تلو أخرى في متتاليات الضوء الذي أسهم في إضفاء غلالات من الشحوب على وجوه الكاست الفني للمسرحية من خلال توظيف كشافات جانبية، وكان هذا من خلال موسيقى «أيمن زرقان» التي عملت على تعميق الصراع الداخلي للممثلين، ودفعهم للبوح وفقا لرسم حركي بسيط في تدرجاته الجسدية توظيفا لما اختاره مخرج العرض وكاتبه من الناحية الفنية، وكان ذلك خدمة لروابط متينة مع الفنان والمشاهد للمسرحية والهدف جعل مخيلة الجمهور خصبة لجهة التوقعات التي ينضوي عليها عالم الكواليس كجزء من تفسير العرض وقراءة مدلولاته لما عرض على مسرح القباني بدمشق.
يذكر أن «الأنباء» تلقت دعوة لحضور عرض مسرحية «الباب» وهي من إنتاج مديرية المسارح والموسيقى، واختتم العرض الفترة القليلة الماضية على مسرح القباني بدمشق.