جدَّدت إسرائيل اليوم الثلثاء انتقامَها من الإعلام وعدسات الكاميرا وأصوات الصحافيين. هو السلاح الأمضى الذي رافق ضربات قذائف "الياسين" نحو دبابات "الميركافا"، ووثَّق بالصورة والصوت المجازر الإسرائيلية العبثيّة بحق الأطفال والنساء. هو أيضاً، رفيق المقاومين في جنوب لبنان ومؤرخ لحظات ضرب المواقع الإسرائيلية وجولات الطائرات والمسيّرات. وبقدر خوفها من قذائف الفصائل المقاوِمة ورصاصها، كانت الكاميرا وتقارير الصحافيين الميدانيين الرعب الأكبر على هذا الكيان العدواني الذي يُفصِح في كل يوم وكل مجزرة عن هشاشته وضعفه وجُبنه.
فرح عمر وربيع معماري الزميلان في قناة "الميادين"، ومعهما الشاب حسين عقيل، تحوّلا باستشهادهما في اعتداءٍ متعمّد، أيقونةً جديدة للإعلام اللبناني الحرّ المقاوِم، الذي يواجه العدو بالكلمة ولا يستضيفُه ويحاول أنسنَته بعباراتِ التطبيع. فرح وربيع كانا تعبيراً عن النفسية اللبنانية المواجِهة المتشبّثة بحقها في الكرامة ومواجهة الخطر بالقوة الفعلية لا بمقولة الضعف، والإختباء وراء "الشرعية الدولية" التي لم تحمِ مظلوماً في هذه الكرة الأرضية منذ تأسيس الأمم المتحدة لا بل عُصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى. وبقدر ما كان الإستشهاد مؤلماً للجسم الإعلامي ولبنان ككل، فإن كلمات والدي فرح من أمام مبنى "الميادين" عن استيلاد "ألف فرح" وضرورة استكمال طريق المقاومة نحو الحق والكرامة، كانت التعبير الأبرز عن هذه النفسية التي يستحقها لبنان وشعبه.
الرد اللبناني كان شبه شامل بتضامنه، من قوى سياسية ومسؤولين واتحادات ونقابات إعلامية. غير أن البعض من الذين أدانوا الإعتداء، أصروا على التمسك بالقرار 1701 و"الشرعية الدولية" بأنهما من يحميان لبنان، مستبعدين بذلك أن الحقوق لا تحميها إلا الحقوق المادية وحدها، بعد تجربة طويلة لفشل نظرية "قوة لبنان في ضعفه"...
وقد أتى الإنتقام الإسرائيلي بعد يومين من ضربات مركزة لحزب الله ومؤلمة، خاصة مع تكثيف صواريخ "بركان" على المراكز العسكرية في الداخل الإسرائيلي. وبعد الإعتداء، واصل حزب الله ضرباته مع استهداف جملة من المواقع من شرق فلسطين إلى غربها، وصولاً إلى إطلاق صواريخ على كريات شمونة.
المفارقة، أن استشهاد عمر وربيع أتى بعد تأكيد المسؤولين الإسرائيليين عن اقتراب إقرار صفقة تبادل الأسرى مع "حماس"، وما يُفتَرض أن يرافقها من هدنةٍ لأيام مع إدخال شاحنات للمساعدات الإنسانية ، وبالتوازي دخل الرئيس الأميركي جو بايدن على خط هذا التأكيد. ومن جهتها كشفت "حماس" على لسان مسؤوليها اقتراب موعد الهدنة، فقد أكد قال عضو للحركة خليل الحية إنهم ما زالوا ينتظرون رد الاحتلال الإسرائيلي بشأن اتفاق الهدنة الإنسانية بعد أن سلمت الحركة ردها للجانبين المصري والقطري. وكان القيادي في "حماس" عزت الرشق قال إن الحركة اقتربت "بشكل أكبر من الإعلان عن اتفاق هدنة خلال الساعات المقبلة" مع إسرائيل، معتبرا أن الاتفاق "سيكون مقبولاً للمقاومة".
وعلى المستوى الدولي، دعت مجموعة "بريكس" في البيان الختامي للقمة الافتراضية الطارئة التي استضافتها جوهانسبرغ، إلى "هدنة إنسانية فورية ودائمة تؤدي إلى وقف الأعمال القتالية" في غزة.
على خط داخلي آخر، أدان تكتل "لبنان القوي" بعد اجتماعه الأسبوعي جريمة استهداف الصحفيين مشيراً إلى أن إسرائيل تسعى لاستدراج لبنان إلى الحرب الشاملة. وقد فضح "التكتل" مجدداً أضاليل من وصفهم ب"المطبلين" للتمديد في قيادة الجيش، مذكراً بأنه لا فراغ في القيادة العسكرية نظراً لقدرة الضابط الأعلى رتبة على تسلم المسؤولية، بموجب القوانين المرعية. وقد حذر "لبنان القوي" من أن المس بصلاحيات وزير الدفاع يهدد الطائف ويزجه في المجهول.