يشهد لبنان تصاعداً ملحوظاً في الاقبال على القمار الالكتروني وينشط المستخدمون بشكل كبير على مواقع الكازينوهات الرقميّة والرهانات الرياضيّة والسباقات وألعاب الحظ الافتراضيّة المتنوعة، الامر الذي يستدعي تدخّلاً فعّالاً لأجل معالجة تداعياته السلبيّة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، خاصة انّ منصّات الرهانات الالكترونيّة اضحت من القضايا المعقّدة والمحوريّة بعد التطور الرقمي الحديث وانتشاره بشكل مقلق وسريع.
يواجه القمار الالكتروني غير الشرعي في لبنان تحديات جمّة، حيث تبقى القوانين والاستراتيجيات والبنى التحتيّة والاتصاليّة والنظم الأمنيّة والرقابيّة والتقنيات غير كافية لأجل مكافحة التحايل على القوانين ووضع أطر “ذكيّة” تطال الجرائم المالية المتعلقة بغسيل الأموال وتهريبها، وكشف ومعاقبة الجهات المخالفة. واذا ما تحدثنا عن التداعيات الضريبيّة هنا، نرى أنّ الأموال التي يتم إنفاقها على هذه الآفة تنخرط في دورة اقتصاديّة غير منتجة أو منصفة على مستوى دفع الضرائب للدولة، حيث يتم التهرّب والاحتيال بشكل كبير. فالقمار الإلكتروني يفتقر إلى تنظيم قانوني فعّال، يضع على المحك اشكالية تدنّي العائدات الماديّة وتجاوز الالتزامات الماليّة تجاه الدولة التي يتوجب عليها الاسراع في وضع حلول جذريّة تعود بالنفع على مؤسساتها العامة والمواطنين، والمبادرة في تعزيز التشريعات وتطوير القوانين في ما يطال مكافحة الغش وحماية اللاعبين، والتصويب نحو الاستخدام “الشرعي” الذي يجب ان يترافق مع تفعيل المجال الضريبي ووضع نظام آمن ومفيد يستهدف الأموال المتدفقة منه لأجل تحقيق عائدات ضريبيّة عالية ومفيدة للدولة.
مكافحة مواقع ومنصّات الرهانات الالكترونية غير الشرعية في لبنان تتطلب جهودًا مشتركة بين الحكومة والمؤسسات ذات الصلة، خاصة وزارة الاتصالات المعنيّة بشكل مباشر، ووضع تشريعات برلمانيّة صارمة، وتعزيز التعاون الدولي عبر تبادل المعلومات والخبرات، وحصر منح التراخيص للمشغلين الذين يتوافقون مع معايير تنظيميّة وفق أطر محددة لأجل ضمان الشفافية والنزاهة في الأنشطة، مع الزامية امتثالهم للقوانين وتقديم تقارير منتظمة إلى الجهات الرقابيّة. كما يجب على الدولة ان تضع قوانين تعاقب كل من يمارس القمار الإلكتروني غير الشرعي بغرامة مالية كبيرة قد تصل إلى حجز الممتلكات أو السجن لفترة طويلة في حالة تكرارها.
باختصار نقول انه يمكن للبنان القضاء على هذه الآفة والحد من تداولها من خلال التعاون الدولي والاستفادة من الخبرات والقوانين الدولية لأجل التشريع في هذا المجال، وتنظيم القطاع بالتعاون والتنسيق مع خبراء فنيّين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال. كل ذلك لأجل توفير بيئة آمنة للمشاركين/اللاعبين والمراقبة والمحاسبة القانونيّة وضمان حق الدولة في العائدات الضريبيّة، وايضا اطلاق حملات التوعية المكثّفة بهدف حماية المجتمع والأفراد من التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة من خلال الارشاد والتوجيه.
الكاتب: البروفيسورة د. وديعة الأميوني
استاذة جامعيّة وباحثة اجتماعية