دخلت عملية “طوفان الأقصى” شهرها الثاني، وما يزال الحريق المستعرّ يشعل أوصال قطاع غزّة بمختلف أنواع آلات الدمار والقتل التي أدمنت إسرائيل على استخدامها طوال تاريخها الحافل بالمجازر. والسّؤال الكبير الذي يرتسم كلّ يوم في أذهان العالم المتسمّر على شاشات التلفزة: إلى متى سيصمد أهل غزّة في ظل سيل الجرائم اليوميّة التي تمحو البشر والحجر في غزّة؟ ومتى سترفع كتائب القسام الراية البيضاء؟
لكن أسئلة أخرى ترتسم في المقابل: ما الذي حقّقته إسرائيل حتى اليوم؟ وما هو مصير “بنيامين نتنياهو” وحكومته وطواقمه السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة، في حال استمرت حركة حماس بإطلاق الصواريخ على المستوطنات وحققت الانتصار؟
بالأرقام، أسقطت إسرائيل، منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر حتى اليوم، أكثر من 25 ألف طنّ من المتفجرات على قطاع غزّة، بحسب تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من جنيف، أي ما يوازي قنبلتين نوويتين. واستهدفت طائراتها الحربية أكثر من 12 ألف هدف في القطاع، أي أنّ حصة كلّ فرد تجاوزت 10 كلغ من المتفجرات، وأودت بحياة أكثر من عشرة آلاف ضحيّة معظمهم من النساء والأطفال، فضلًا عن عشرات الآلاف من الجرحى، في ظلّ حصار مطبق على مساحة لا تتجاوز 360 كلم مربع، يقطنها أكثر من مليوني نسمة، وسط حرمان من المقوّمات الحياتيّة الضروريّة من الماء والوقود والمواد الغذائيّة.
تبدو هذه الأرقام مخيفة بنتائجها المتوقّعة، في الحسابات الميدانيّة، في ظلّ عدم التكافؤ بين الترسانة الهائلة التي تملكها إسرائيل من: سلاح بري وبحري وجوي، وتفوّق تكنولوجي ومعلوماتي وجيش يصل إلى المليون جندي بعد استدعاء فرق الاحتياط، الإحاطة الميدانية التي تطوّق قطاع غزّة من الجهات كلها، فضلًا عن الدعم العسكري غير المحدود من الولايات المتحدة الأمريكية بأساطيلها وجسر المعونات المالية والتسليحيّة..
كلّ ذلك والهدف الإسرائيلي الأول هو القضاء على المقاومة الفلسطينية، وحركة حماس، تحديدًا بمقاتليها وسلاحها وقدرتها على العمل العسكري في المستقبل.. ولكنّ الحقيقة التي تُظهرها الوقائع أنّ المقاومة ما تزال تواصل إطلاق الصواريخ من مختلف الأحجام والمديات، والتي تطال تقريبًا الوجود الإسرائيلي كلّه على أرض فلسطين، بدءًا من غلاف قطاع غزّة من المستوطنات، وصولًا إلى أقصى المواقع العسكريّة والتجمّعات الاستيطانية في الشمال والجنوب، فيما على الأرض يلتحم مقاتلو القسّام مع جنود الاحتلال في مواجهات يوميّة وينفذون كمائن وعمليات لاستدراج القوات الغازية، والتي تحاول عبثًا التوغّل في عمق القطاع من دون جدوى.
بعد شهر من الحرب؛ تميل الكفّة أكثر فأكثر لصالح طوفان المقاومة، مع الارتفاع اليومي لعدد القتلى من جنود الاحتلال وانهيار منظومات “الدفاع” الجويّة والبريّة وتدمير عشرات الدّبابات والآليات المحصّنة تحت ضربات حركة حماس المفاجئة، وارتفاع صراخ ذوي آلاف القتلى وأهالي العشرات من الأسرى الصهاينة في قبضة المقاومة الفلسطينية، فانخفض سقف “الطموحات” الإسرائيلية، وبات الهدف الأول لإسرائيل تحقيق انتصار يمكن لها توظيفه إعلاميًا وسياسيًا، حتى يكون لها مسوّغ للبدء بمفاوضات تغطّي على هزيمتها الميدانية، ولكي يحافظ بنيامين نتنياهو في الحدّ الأدنى على موقعه في رئاسة الحكومة أو تلافي مصير الإعدام السياسي له فيما تبقى من حياته..
إذ إنّ الكل في إسرائيل، وكذلك الإدارة الأمريكية، يحمّلونه مسؤولية الفشل والسقوط، والذي لن يتوقف عند الإخفاق العسكري والأمني في مواجهة المقاومة الفلسطينية؛ بل إنّ الخوف اليوم لدى هؤلاء هو سقوط المشروع الصهيوني برمّته، بعدما تحطّمت عقيدة التفوّق الإسرائيلي أمام مجموعات قليلة نسبيًا من المقاتلين.
بات الهدف الإسرائيلي، اليوم، قتل يحيى السنوار وأبو عبيدة واسماعيل هنية، والتلطّي وراء الأمريكي لإخراج تسوية تحت مظلة “الحل الشامل”، بعد فشل مؤامرة التهجير إلى سيناء، ويسعى نتنياهو لإنقاذ رأسه من دون وقف مسلسل التقتيل والتجزير، والذي لم يفلح إلا في تشويه صورة الأمريكي كونه راعيًا للإرهاب في فلسطين والداعم الأول للمجرم الإسرائيلي الذي لم يرف له جفن أمام هول الفظائع الإنسانية التي يرتكبها بحقّ الشعب الفلسطيني في غزّة. ففي اعتقاده بأنّ نهج المجازر والحصار الإنساني سيضعف من شكيمة المقاومين ويجذبهم إلى طاولة المفاوضات في خطوة أولى للنزول عن الشجرة والإفلات من مصير السّقوط المحتوم.
لكن يبدو واضحًا أنّ هذه التحايلات لن تنفع، حيث يؤكد قادة حماس، وكما يظهر في الميدان، أنّهم ماضون في المواجهة إلى النهاية، وهم حتى اليوم قد حققوًا فوزًا بائنًا في جولات النزال، وجاهزون للتحدي حتى يحققوا الفوز النهائي بالنقاط.. أو بالضربة القاضية.