حاولت الورشة التي أقامها مجلس النوّاب يوم أمس حول “المستقبل المالي للبلديات: التحديات والفرص”، في قاعة المكتبة العامّة للمجلس، رسم “خارطة” طريق للمجالس البلدية في لبنان للخروج من أزماتها، المالية منها تحديداً، التي غرقت فيها منذ بداية الأزمة والإنهيار الإقتصادي في لبنان نهاية عام 2019.
فالورشة التي نظمها المجلس بالتعاون مع “المنظمة الدولية للتقرير على الديموقراطية” و”المؤسّسة اللبنانية للسلم الأهلي”، لفت ممثل المنظمة أندريه سليمان في كلمة له إلى وجود إقتراحي قانونين يتعلقان بإجراءات تحصيل الرسوم والعائدات البلدية، مشيراً إلى موضوع اللامركزية الإدارية، ومعتبراً أنّ “عصب العمل البلدي هو الوضع المالي”، قبل أن يشير إلى أن “قانون رسوم العائدات بحاجة إلى نفضة”، وأنّ “البلديات اليوم لا تستطيع أن تقوم بأبسط الأمور الإجرائية”.
كلام سليمان يمكن الإستنتاج منه بأنّ إنقاذ البلديات من الوضع المالي المأزوم الذي تعاني منه منذ نحو 4 سنوات، هو في إقرار قانونين موجودين في مجلس النواب حول الرسوم والعائدات البلدية، وأن من الضروري إقرارهما بهدف إنقاذ البلديات من العجز المالي الكبير الذي تعاني منه، وإلا سوف تبقى معطلة ومشلولة وغير قادرة على القيام بالحدّ الأدنى من المطلوب منها.
ومع أنّ سليمان لم يوضح مضمون هذين القانونين، إلّا أنّه من المرجّح أنّهما يتعلقان بزيادة الرسوم البلدية على المواطنين بعدما إرتفعت عليهم أغلب الرسوم الأخرى في الآونة الأخيرة، من رسوم الكهرباء والمياه والإتصالات والإنترنت ورسوم تسجيل في المدارس الرسمية وفي الجامعة اللبنانية، وغير ذلك، إلى حدّ أنّ قلّة قليلة من الرسوم المالية بقيت على حالها وفق التسعيرة القديمة، ومنها الرسوم البلدية.
غير أنّ إقرار قانونين متعلقان بزيادة الرسوم البلدية لا يبدو وارداً في المستقبل القريب، برغم تأكيد البعض أنه علينا أن نُحضّر أنفسنا ونكون جاهزين عندما يحين أوان إجراء الإنتخابات البلدية، لأنّ إقرار القانونين متعلق بإقرار قانون جديد للإنتخابات البلدية التي يبدو أنّ إجراءها في شهر أيّار المقبل، بعد تأجيلين سابقين كان كلّ منهما لمدة سنة، في العامين 2022 و2023، يبدو غير مضمون، وبأنّ إحتمال تأجيل الإنتخابات المحلية مرّة ثالثة مرجّح ومتقدم على أيّ احتمال آخر.
إلا أنّ إقرار قانون جديد للإنتخابات البلدية يبدو متعذراً اليوم، ليس فقط بسبب الأوضاع السياسية في البلاد من فراغ في رئاسة الجمهورية وحكومة تصريف أعمال، إلى جانب الأوضاع الإقتصادية والمالية الصعبة، وبسبب أوضاع وأزمات أخرى، عدا عن أزمات المنطقة المشتعلة، فإنّ السبب الرئيسي الذي يحول دون ذلك هو بلدية بيروت.
فبلدية العاصمة التي جرت الإنتخابات البلدية فيها في الدورات الأربع التي أعقبت إنتهاء الحرب الأهلية في أعوام 1998 و2004 و2010 و2016، كان الرئيس الراحل رفيق الحريري ولاحقاً نجله الرئيس سعد الحريري يغطيان “لائحة توافقية” مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وهو غطاء لم يعد موجوداً اليوم، ولم يستطع أحد تغطية وملء الفراغ بعد غياب الحريري الأب أو الإبن، ما يجعل المناصفة مسعى مهدّداً بأن لا يتحقق على أرض الواقع، خصوصاً في ضوء إستطلاعات رأي وتقديرات تشير إلى أنّ المسيحيين في ظلّ الوضع الحالي لن يحصلوا في أحسن الأحوال على أكثر من 4 ـ 6 أعضاء من أصل 12 عضواً مسيحياً في المجلس البلدي الحالي المكوّن من 24، الأمر الذي جعل أصواتاً ترتفع تدعو لتقسيم العاصمة بلديتين (إسلامية ومسيحية)، أو توزيع الأعضاء مناصفة ضمن بند يتم إقراره في قانون البلديات المرتقب، وإلّا فإنّ تأجيل إجراء الإنتخابات برأيّهم أفضل.
ما سبق يؤكّد أنّ كلّ الطروحات والورش البلدية التي تجري ليست سوى تقطيعاً للوقت إلى أن يتم إقرار قانون جديد للبلديات، التي تعاني إفلاساً مالياً وانهياراً غير مسبوق في تقديم الخدمات للمواطنين، وإلى ذلك الحين فالإنتظار سيكون سيّد الموقف.