لكن ما بين "حربي الإستنزاف" جامعٌ وحيد، هو خرق إسرائيل قواعد الإشتباك والمبادرة إلى استهداف المدنيين، كما حصل مراراً بين العامين 1969 و1970، مودية بحياة المئات من المصريين، وخاصة في مجزرة مدرسة "بحر البقر" الشهيرة.
والبارحة، أتى الخرق الإسرائيلي باستهداف النساء والأطفال بين عيناثا وعيترون، ليؤشر إلى هذه النيات الإسرائيلية بتجاوز الغارات والقصف خارج حدود منطقة الإشتباك. المغزى الأخطر، أن غارة الأمس تأتي لجس نبض حزب الله، على أثر رسم أمينه العام السيد حسن نصرالله خطوطاً حمر حول المدنيين، ما يعني النية المتعمدة لاستفزاز "الحزب"، وإخراجه عن طورِ حساباته العقلانية. وفي وقت أتى الردُ سريعاً بقصف لمستوطنة كريات شمونة، فإنه من المتوقع تثبيت هذه الخطوط الحمر، في المسافة الفاصلة عن الخطاب الثاني لنصرالله السبت المقبل.
على أن هذا الرد يتم في شكل متدحرج ومتناسب مع النار الإسرائيلية، ويتوازى مع إظهار مستمر لأسلحة نوعية جديدة، فبعد استخدام مسيرات محمّلة بالمتفجرات، سرت معلومات عن استخدام قوات "الحزب" أمس صواريخ "بركان" الشديدة الإنفجار.
يأتي ذلك في ظلّ توترٍ أميركي غير مسبوق بسبب الصفعة الكبيرة التي تلقتها إسرائيل. ففي حين كان وزير الخارجية أنطوني بلينكن يفشل في التوافق مع الدول العربية الحليفة على مساحات مشتركة بسبب إصراره على عدم منح "حماس" فرصة لالتقاط الأنفاس ولو من خلال هدنة إنسانية، كانت واشنطن تواصل توجيه رسائل القوة الإستعراضية مع إرسال الغواصة النووية "أوهايو"، لتنضم إلى حاملتي الطائرات "جيرالد فورد" و"أيزنهاور". وقد حط بلينكن في أنقرة، حيث جدد الإعلان عن أن "واشنطن تعمل بصورة نشطة جداً» لتأمين المزيد من المساعدة الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة، وذلك وقال بلينكن في ختام لقاء مع نظيره التركي حقان فيدان".
على خط مواز، وفيما تتحفّز الفصائل العراقية المدعومة من إيران للمشاركة في استهداف إسرائيل، لفتت اليوم زيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، ونقاشه في آفاق تطورات الحرب. وقد شدد الشياع على أنّ "الحكومة والشعب العراقي والتيارات السياسية في العراق يقفون إلى جانب القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أنّ العراق يسعى حالياً لوقف الجرائم الصهيونية".
وفي الشق السياسي اللبناني الداخلي، إضافةً إلى الإستنكار الواسع لجريمة إسرائيل ليل أمس الأحد، فإصرار على بدع التمديد، وآخرها محاولة رفع سن تسريح قائد الجيش العماد جوزيف عون، والذي اكتسب أمس تغطيةً من البطريرك بشارة الراعي. لكن دون النجاح في هذه الخطوة، عقبات سياسية كبرى، مع وجود تحفظات عدة يبديها الثنائي الشيعي، إضافةً إلى الرفض المبدئي الذي يؤكده دائماً التيار الوطني الحر.