وافق خطابُ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله العديد من اللبنانيين، وخيّب البعض الآخر! فأصحاب التفكير العقلاني والهادئ، والذين يرون في حزب الله جامعاً بين إرادة المقاومة ضد إسرائيل وفكرها، وبين الحفاظ على المصلحة الوطنية اللبنانية، أتى الخطاب موافقاً لا لرغبتهم فحسب، بل لغالب توقعاتهم تجاه الكلمة المفصلية التي أدَّت هدفَها الأساسي على مدى الأيام الماضية في زيادة الضغط النفسي على العدو الإسرائيلي. أما الذين انجرفوا في رهاب التهويل والرعب الذي جعل العديد من اللبنانيين يحزِمون حقائب الهروب، أو يعدّلون في مشاريعهم، فخيَّب تخوفهم وعاطفيتهم، بغضّ النظر عن كامل الأسباب المشروعة في هذه الظروف المتغيّرة والخطِرة.
حسن نصرالله في خطاب الجمعة، وتكريم شهداء حزب الله "على طريق القدس"، كان معبِّراً عن اللبننة في مدى الحرص على مصلحة لبنان العليا. فالقوة العقلانية والإستراتيجية في درس التعامل مع مفصل "7 تشرين" 2023، حدّدت دور لبنان بأنه "تضامن ومساندة"، مع وضع راية المقاومة الأولى في يد أصحاب القضية أنفسهم. وهذا الدور الذي قادته مقاومة حزب الله منذ اليوم الأول، كما أكد نصر الله، يؤدي هدفه الأساسي في استهداف القوة الإسرائيلية وثنيها عن أهدافها التي وصفها ب"العالية"، في السعي ل"تحطيم حماس" وإزالتها.
غير أنَّ هذه المصلحة اللبنانية، استكمَلها نصر الله برسم الخطوط الحمر، المتمثلة بأي استهدافٍ إسرائيلي للمدنيين اللبنانيين. من هذا المنطلق، استعمل استراتيجية الغموض مجدداً في فتح الآفاق على أي تطورٍ للمعركة في الحدود الجنوبية، على أن مسؤوليته تقع عند حكومة نتنياهو المتطرفة وقيادته للحرب التدميرية.
أما الرسالة الأساس، فكانت في اتجاه المنبع الأميركي الداعم لإسرائيل والذي يوفّر لها كل العتاد والعديد والمراقبة والدعم الإستخباري. هي الأساطيل نفسها التي تحدث عنها فلاديمير بوتين قبل فترة، من حذّرها نصرالله من مغبة الخطأ، مذكراً بأنَّ أجيال حزب الله المتعاقبة التي هزمتها في لبنان منذ العام 1983، قادرة على التصدي لها مجدداً.
وفي تحديدِه لمسار الصراع الإستراتيجي مع إسرائيل، وضع الأصبع على توزيع الجهود بين الجبهات، والتي تشارك فيها بفعالية اليوم القوتان اليمنية والعراقية، ما يكرّس، استطراداً، دورَ لبنان المسانِد. وهنا، عبّر نصر الله عن العقلانية مجدداً في التأكيد أن الصراع مع إسرائيل لن ينتهي يوماً ب"الضربة القاضية"، بل وفق التراكم بالنقاط، في انعكاس للإستفادة من كل دروس التجارب العربية في الصراع مع الكيان الإسرائيلية، والتي عادة ما كان يسودها الحماس والإندفاع من دون استراتيجيا ولا تخطيط، في العقود السابقة.
وخطاب الجمعة، سيكرس حدود الإشتباك في جنوب لبنان، في مقابل وصول الرسالة اللازمة لصانع القرار في الولايات المتحدة، عن تطور المعركة ومدى استعداد المحور المواجه لها بدعم إيراني. وعلى هذا الأساس، يمكن قراءة المشهد الآتي على المستوى الفلسطيني، والذي سيكون محكوماً بفشل الحرب الإسرائيلية في إزالة القضية الفلسطينية.
كما أن خطاب نصر الله بدأ يثير تفاعلات في الوسط السياسي اللبناني، ولا يسما تلك المتحالفة مع حزب الله، على ما أفصحت تعليقات نواب التيار الوطني الحر وكوادره، إضافة إلى شخصيات مستقلة حليفة أخرى.