لم تكد تمضي ساعات قليلة على بدء عملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، في 7 تشرين الأول الماضي، في مواجهة جيش الإحتلال الإسرائيلي، حتى سارعت دول عدة على نحو تدريجي وتباعاً في دعوة رعاياها إلى مغادرة لبنان على نحو فوري، منها دول عربية وأخرى غربية، نظراً للمخاطر الكثيرة التي تهدّد هذا البلد في حال إتساع رقعة الحرب والنيران وتمدّدها إليه، وتحذير رعاياها في موازاة ذلك من مغبّة السّفر إلى لبنان في هذه الفترة.
يبدو هذا الإجراء في الظاهر عادياً، وتتخذه دول عدة في العالم تجاه رعاياها عندما تنشب حروب وصراعات في أيّ بقعة من العالم، ولكن في لبنان يأخذ هذا الإجراء بعداً مختلفاً، وتتعدد قراءاته وتفسيراته، يأخذ أغلبها منحىً سلبياً، وسط مخاوف جدية من أن يكون هذا الإجراء إشارة ما تمهّد لدخول لبنان جحيم الحرب.
هذه المخاوف نبعت ليس من أنّ هكذا إجراء يعتبر روتينياً وعادياً في مثل هكذا ظروف إعتادها لبنان، ولكن إنطلاقاً من مخاوف أن تكون هذه الدول تملك معلومات عن أنّ كلّ ما يجري من تسخين سياسي وأمني وإعلامي هو مقدمة لأن تتمدد نيران الحرب خارج نطاق قطاع غزة، ويبدو لبنان بلداً مرجّحاً أكثر من سواه لأن يشهد عدواناً إسرائيلياً ما عليه في المرحلة المقبلة، إنْ بسبب وجود ذرائع أو أن يخلقها ليبرّر عدوانه.
تحذيرات هذه الدول لرعاياها بمغادرة لبنان وعدم التوجّه إليه أصاب أغلب القطاعات بالشّلل، ما فاقم من تردّي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية، وأثار قلقاً واسعاً على أرفع المستويات في البلد، مما سيتبع العدوان الإسرائيلي على لبنان، في حال حصوله، من تخلي دول شقيقة وصديقة وحليفة عن لبنان، وعدم مساعدته في مواجهة المخاطر التي تحدق به في حال تمدّد رقعة الحرب إليه، وتداعياتها.
هذا القلق تحوّل إلى استياء مضمر من هذه الدول لم يتم الاعلان عنه بشكل صريح، إذ بدل مساعدتها لبنان على مواجهة المخاطر، وهو الذي وقف إلى جانبها إبّان الأزمات التي مرّت بها، ودعمها بما أمكنه، كان ينتظر من هذه الدول تدبيراً عكس الذي قامت به، أو على أقل تقدير إستتباع ما قامت به بالتأكيد أنّها تقف إلى جانب لبنان في محنته، وهو الذي عانى الأمرّين على أيدي الإحتلال الإسرائيلي لسنوات، وبأنّه كان يقف وحيداً في وجه الإسرائيليين وحروبهم، إلّا من دعم قلّة من هذه الدول، شأنه في ذلك شأن أهل فلسطين منذ أكثر من 7 عقود، وكما حال أهل غزّة اليوم.