برز المقتدرون والمدعومون مادياً من أبنائهم وأقاربهم في الخارج، كأوّل المبادرين لمغادرة المناطق الجنوبية الحدودية بعد أيام قليلة من عملية «طوفان الأقصى» التي انطلقت في 7 تشرين الأول، وتلاها إعلان إسرائيل بدء الحرب على قطاع غزّة وبدء الاعمال الحربية على الحدود اللبنانية.
فالنازحون تتفاقم أعدادهم يوماً بعد يوم، بعد الأرقام التي أصدرتها المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة التي سجّلت 29 ألف نازح في لبنان جرّاء التصعيد العسكري بين «حزب الله» و»إسرائيل».
ومع استمرار الحرب على وتيرتها التصاعدية وارتفاع منسوب الخطر من التورّط أكثر فأكثر في براثنها وتجاوز قواعد الإشتباك، انكبّ بعض سكّان الضاحية الجنوبية بدورهم على البحث عن منازل للإستئجار، في مناطق قد تكون حسب تقديراتهم بمنأى عن شظايا الأهداف الإسرائيلية المحتملة.
والمناطق التي باتت مقصداً من النازحين كما بات معلوماً، هي الساحلية منها في كسروان والمتن وجبيل، والمناطق الجبلية أيضاً، مثل برمانا وبيت مري وبكفيا وحتى عاليه وبحمدون وصوفر.
هذا الواقع اعتبر بالنسبة الى بعض المالكين نافعاً لهم في موسم الجمود، فرفعوا بدل الإيجار بنسب متفاوتة بين 20 و30 و50% باعتبار أن الإيجار شهري وليس لفترة طويلة.
وتفاوتت آراء المواطنين والعاملين في الشأن العقاري والتأجيري، بين الرافضة لتلك الزيادات باعتبارها عملاً غير إنساني وإستغلالي في زمن الحرب والنزوح، وبين مؤيدة لا سيما من المالكين باعتبار أن بدل الإيجار خاضع للعرض والطلب، في حين يقول آخرون من الملاّك لا سيما في بيروت أن بعض النازحين الميسورين يرفعون أسعار بدلات الإيجار حينما يعرضون بدلاً أعلى من المطلوب من المالك نفسه بهدف منافسة مستأجر آخر.
كيف تطوّرت الأسعار؟
وكانت تتراوح الإيجارات قبل بدء شنّ إسرائيل الحرب على غزة، بالنسبة الى المنازل الصغيرة والمتوسطة (بين 90 و 120 متراً مربعاً) بين 250 و 800 دولار أميركي حسب المنطقة والمواصفات.
أما اليوم وفي ظلّ تعاظم مخاطر الحرب، ارتفعت أسعار الشقق عموماً، ويقول رئيس نقابة مقاولي الاشغال العامة والبناء في لبنان مارون الحلو لـ»نداء الوطن» إن «نسبة زيادة بدلات الإيجار في المناطق الجبلية إرتفعت بنسب تتراوح بين 20 و 30%، ما يعني أنه اذا كانت القيمة التأجيرية للشقّة بقيمة 700 دولار أصبحت 1000 دولار. علماً أن أسعار الإيجارات الشهرية أعلى من التعاقدية التي تكون عادة لفترة 6 أشهر او سنة كاملة.
أما في بيروت فأسعار ايجار الشقق (المرتفعة أصلاً) زادت بدورها تماشياً مع ارتفاع الطلب، بنسبة تتراوح بين 40 و 50%. ما يعني أنه اذا كانت الأسعار بقيمة 1000 دولار قبل بدء الحرب ارتفعت الى 1300 دولار ولكن زادت أكثر نظراً الى المضاربات كأن يبدي مستأجر استعداداً لتسديد بدل بقيمة 1500 دولار.
من يلجم الإرتفاع؟
لكن من يلاحق المالك في حال زيادة بدل الإيجار بنسبة غير مقبولة؟ المحامي اديب زخّور الذي قال: «لا يوجد نصّ قانوني يحدّد الجهة المعيّنة قانوناً لمراقبة بدلات الإيجار. ولكن في ظلّ الوضع الأمني الإستثنائي الذي نعيشه، تلك المهمّة يجدر أن تكون على عاتق البلديات ووزارة الداخلية وحتى مصلحة حماية المستهلك في وزارة الإقتصاد التي تراقب عادة الأسعار، لمراقبة الإيجارات التي تحصل مستندة الى القيم التأجيرية التي تحدّدها العقود المسجّلة في البلدية».
ولكن كيف يتمّ إثبات عقد الإيجار الشهري في ما لو كان شفهياً وغير مكتوب؟ حول ذلك قال زخّور، بمجرّد التوافق يصبح عقد الإيجار ملزماً للطرفين بغض النظر عن وجود عقد خطّي أم لا! ويضيف: «في ظلّ عدم وجود قانون يحدّد القيمة التأجيرية التي يترتب على المالك تقاضيها، فإن السوق العقاري يخضع للعرض والطلب، ولا يمكن مساءلة المالك خصوصاً اذا كان المستأجر قابلاً للسعر. وعند وجود حالة استغلال أو غبن، يتدخّل المسؤولون في المناطق مثل الأحزاب والمخاتير والبلديات للحؤول دون تفشّيها ووضع حدّ لها».
النازحون ينقسمون إلى فئات
ويتوزّع النازحون القادمون من المناطق الجنوبية والضاحية الجنوبية الى فئات. حول ذلك، قال المستشار العقاري أحمد الخطيب لـ»نداء الوطن» إنهم ثلاث فئات:
– النازحون الميسورون، الذين يرغب البعض منهم في السكن في منازل فخمة أو المكوث في فلل، أو يطلبون منزلين ويقصدون مثلاً بيت مري وبعبدات وبرمانا… وبحمدون وحمانا وفالوغا وبعلشماي والعبادية… علماً أن بعضهم يتمّ دعمهم من أبنائهم أو أقاربهم الذين يعملون في الخارج لا سيما أفريقيا.
– النازحون من الطبقة المتوسطة، ويطلبون إيجار شقة سكنية متوسّطة أو صغيرة ليمكثوا فيها لفترة شهر قابلة للتجديد الى 3 أو 6 أشهر، ووجهة تلك الطبقة خلدة والشويفات وعرمون والدامور.
– النازحون الفقراء أو «المعتّرين»، فهؤلاء لا يزالون في ضيعهم ينتظرون أن يتمّ إيواؤهم في مدرسة أو مؤسسة رسمية، وفعلياً هناك 3 مدارس مهنية في صور استقبلت نازحين.
وحول الأسعار قال الخطيب، إنها «تصل الى 2000 دولار في بعض المناطق. ففي فالوغا على سبيل المثال يتمّ تأجير شقق لفترة 6 اشهر بقيمة نحو 7000 دولار. أما في عرمون وبشامون…، فإن بدلات الإيجار تنخفض وتتراوح بين 500 و 700 دولار وتصل الى 800 دولار شهرياً».
واللافت بحسب الخطيب، أن بعض الجنوبيين يستأجرون منزلاً في أماكن أكثر أمناً لفترة 3 اشهر على سبيل المثال ولا يقطنون فيه، تحسّباً للأسوأ. هكذا يطمئنون الى مكان بديل للإيواء في حال توسّعت رقعة الحرب».
ويشدّد في الختام على «ضرورة عدم إقدام البعض على المغالاة في رفع بدلات الإيجار تحسّباً لاستغلال النازحين في زمن الحرب والأزمات في البلاد، لأن قاعدة العرض والطلب تنتفي في تلك الحالة».
من عاليه إلى بحمدون
وفي الغضون، وبعد فتح الرئيس السابق للحزب «التقدّمي الإشتراكي» وليد جنبلاط ابواب الجبل لاستقبال النازحين، بدأت تشهد مدينة عاليه التي تمتاز بقربها من بيروت إقبالاً من النازحين لاستئجار منازل فيها. وقال سمسار عقارات وإيجارات في المدينة لـ»نداء الوطن» أن بدل الإيجارات ارتفع من معدّل 500 دولار الى 1500 دولار شهرياً ويصل الى 2000 دولار للمنازل المفروشة، أما نوعية المستأجرين فهم من المقتدرين. وبالنسبة الى الشقق الصغيرة غير المفروشة فيتراوح إيجارها بين 300 و500 دولار شهرياً اذا كان الإيجار لسنة، و400 و600 دولار إذا كانت العقود تمتدّ لفترة 6 اشهر».
أما اذا وقع مقصد المستأجر على المناطق الجبلية الأكثر ارتفاعاً من عاليه، مثل بحمدون وصوفر وبتاتر وشناي فإن أسعار إيجار الشقق المفروشة تنحدر الى حدّ ما وتتراوح شهرياً بين 500 و 700 وتصل الى ألف دولار.
دور الفنادق في النزوح
ماذا عن الفنادق هل سيطالها النزوح وهل هي مستعدة لاستقبال نازحين؟ إن النازحين الذين سيقصدون الفنادق هم من المقتدرين. وتبقى الخيار الأخير لهم رغم أن كل الخدمات متوفّرة لهم من ماء وكهرباء وتنظيف…، نظراً الى الكلفة التي ستكون أعلى من استئجار منزل. والدليل على ذلك، نسبة الإشغال في الفنادق المعدومة أو المتدنية جداً لأننا في فترة ركود بعد انتهاء موسم السياحة من جهة، ومن جهة ثانية الغاء انعقاد بعض المؤتمرات والفعاليات وعدم قدوم أي بعثات أجنبية وتلبية دعوة عشرات السفارات رعاياها لمغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن.
وفي هذا السياق، يوضح رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر لـ»نداء الوطن»، «إن الطلب ينحصر اليوم على الشقق السكنية في مناطق كسروان. ولا يوجد لغاية اليوم إقبال على الفنادق». مؤكّداً أن «الفنادق على استعداد لتأجير غرفها الى نازحين، حتى ان الفنادق المقفلة قد تفتح ابوابها في ما اذا حصل إقبال كثيف عليها. أما تسعيرة الغرف فهي تتراوح بين 50 و 500 دولار في بيروت والمناطق الجبلية لليلة الواحدة». ولفت الى أن «تسعيرة الغرفة حسب تصنيف الفندق».
فالغرف بحسب الأشقر «والمسعّرة في فنادق بقيمة 400 دولار، نسبة الإشغال فيها اليوم صفر، أما الغرف التي يتراوح سعرها بين 250 و 300 دولار لليلة الواحدة، فإن نسبة الإشغال فيها 7%. وكلّما زاد الطلب سترتفع الأسعار».
وحول الحسّ الإنساني ومساندة النازحين في ظلّ وضع أمني واقتصادي مزر، قال: «إن أصحاب الفنادق ليسوا مؤسسات خيرية والأسعار خاضعة للعرض والطلب وتترتّب على الفنادق أكلاف باهظة ومضاعفة بسبب عدم توفّر التغذية بالتيار الكهربائي ولا حتى المياه، بل نعمد الى تسديد الفاتورة مرتين فاتورة مياه لمؤسسة المياه وأخرى لشراء «سيترنات» وفاتورة كهرباء لمؤسسة الكهرباء وأخرى لشراء وتوفير المازوت لتشغيل مولّدات الكهرباء…، إلا اذا كان النازح يريد الإقامة لفترة طويلة عندها سنخفّض لهم السعر بالليلة. وسأل: في حال أرادت الدولة مساعدة النازحين لمَ لا تستأجر فنادق بأكملها لاحتوائهم؟