بعد مرور قرابة الشهر على تعميم مصرف لبنان رقم 679، الذي يمنع فيه المصارف من تقاضي أي عمولات جديدة من حسابات الودائع، ما لم تكن مفروضة قبل نهاية شهر تشرين الأول 2019، لم تُغيّر أي من المصارف في سياستها حيال العمولات والرسوم الباهظة التي تفرضها على مختلف الحسابات المصرفية. أما الأسباب فلا تقتصر على تعنّت المصارف وتسلّطها على أموال المودعين، ولا على تخاذل لجنة الرقابة على المصارف عن القيام بواجباتها الرقابية فحسب، بل أيضاً ثمة أسباب كامنة في تفاصيل التعميم نفسه.الثغرات بالتعميمطلب مصرف لبنان من المصارف التجارية بموجب التعميم المذكور، ما حرفيته "عدم فرض أي نوع من العمولات الجديدة على حسابات الودائع ما لم تكن مفروضة قبل تاريخ 31/10/2019". وحسب رئيس قسم البحوث والتحاليل الاقتصادية في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، في حديثه إلى "المدن"، المصارف ملتزمة التعميم، لكن مصرف لبنان لم يطلب سوى عدم زيادة الرسوم الجديدة على الحسابات التي كانت موجودة قبل تشرين الاول 2019، وأن تنشر في فروعها طريقة احتساب الرسوم بشكل واضح وشفاف. كما لم يتطرق التعميم إلى الحسابات الجديدة "الفريش" لا بالليرة ولا بالدولار.
ويذكر غبريل بأن شكاوى العملاء شملت الحسابات القديمة والجديدة، إلا أن التعميم لم يتناول سوى الحسابات القديمة. وجاء عقب إجراء قام به بنك بيروت تمثّل بفرض رسوم مرتفعة على الحسابات القديمة لدفع أصحابها إلى فتح حسابات جديدة "فريش أكاونت".
كيف يمكن أن تكون المصارف ملتزمة بالتعميم، ولا تزال في الوقت عينه تتقاضى رسوماً وعمولات باهظة؟ يوضح الخبير المصرفي خالد شاهين في حديثه إلى "المدن" بأن المقصود من قبل مصرف لبنان هو عدم فرض عمولات جديدة، وليس عدم رفع العمولات الحالية. أي أنه يتعلق بنوع العمولات وليس قيمتها.
وإذا ما أخذنا مثالاً الحساب الجاري المسحوب على debit card، فإنه كان يخضع قبل تشرين الأول 2019 إلى اقتطاع عمولة على إدارة الحساب وعمولة على كلفة البطاقة. هذه العمولات ستستمر ومن الممكن للمصرف رفعها كيفما يشاء ومتى ما يشاء. لكن لا يمكن للمصرف إضافة عمولة جديدة. وما يطلبه مصرف لبنان يتمثل بعدم زيادة أنواع العمولات وليس قيمتها.
"المصرف المركزي لم يتدخل بقيمة العمولات، ولا يمكنه التدخّل، على ما يقول شاهين "لأن القيمة التشغيلية للمصرف يحددها وفقاً لمصاريفه وتغير العملة وتكاليف عامة وتكاليف إدارية وتكاليف تشغيلية وغير ذلك.. ويتم تقسيمها على أنواع الحسابات ومن ثم يفرض المصرف عمولاته"، وفق ما يقوله شاهين.لا خفض للعمولاتمن هنا يتّضح أن مصرف لبنان لم يسع إلى خفض العمولات مهما ارتفعت، إنما إلى حصرها بالعمولات المفروضة مسبقاً. وعليه، لم تجهد المصارف للتخفيف من أعباء العمولات والرسوم عن كاهل العملاء، لكنها قد لا تضيف عمولات جديدة عملاً بالتعميم الجديد. وهو أمر طبيعي. وحسب مصدر مصرفي، فالمصارف ليست مضطرة إلى زيادة أنواع جديدة من العمولات، خصوصاً أنها لم تقدّم أي خدمات جديدة منذ سنوات. أما في حال اضطرارها لتغطية نفقات تشغيلية إضافية، فلن يكون هناك من مانع لزيادة العمولات الحالية ورفع قيمة الاقتطاعات من الحسابات القديمة والجديدة.
تبقى المصارف الرابح الأول في مسألة الرسوم والعمولات. إذ وبحسب شاهين "ليس من حق مصرف لبنان مساءلة المصرف عن سبب فرضه عمولة بقيمة معينة. فهذا واجب جمعية المصارف ولجنة الرقابة على المصارف". أما في حالة لجنة الرقابة على المصارف، فلا يمكنها التدخّل بالمصرف من دون مبررات، كأن تقوم بعملية تدقيق معينة أو مهمة واضحة. وهذا أمر نادر. فاللجنة لا يمكنها ولا يحق لها تلقي شكاوى الجمهور.
لذلك، على المتضررين من فرض المصارف عمولات ورسوم باهظة إما التقدم بشكوى لدى جمعية المصارف، وهو أمر غير ذي جدوى، خصوصاً أن كافة المصارف تفرض عمولات باهظة وغير مبررة على الحسابات المصرفية القديمة والجديدة.. أو التوجه إلى القضاء، وهو أمر بالغ التعقيدات وقد لا يصل فيه المودع إلى نهاية.
باختصار، لن يكون للتعميم 679 أي تأثير ملحوظ على حسابات المودعين. لكن في حال كان مصرف لبنان جدّياً بلجم المصارف، فإنه سيراقب آلية احتسابها للعمولات والرسوم، خصوصاً أن منها من يحتسب سعر الدولار على العمولات بقيمة 100 ألف ليرة. وحينها يمكنه إحالة المصرف المخالف إلى الجهات الرقابية.
أما مسألة الحسابات الجديدة أو "الفريش أكاونت" بالليرة وبالدولار، فمختلفة ولم يتطرق إليها مصرف لبنان. وحسب غبريل، فإن تنظيمها يرتبط بملف تنظيم المصارف وإعادة هيكلتها.