تتربع أغاثا كريستي على عرش قصص الجريمة، حتى إن معجبيها أعطوها لقبا استحقته عن جدارة وهو «ملكة الجريمة»، وعبر أعوام حياتها قدمت لنا نحو 66 رواية طويلة وعشرات القصص القصيرة التي نشرت في 14 مجموعة قصصية، كما أنها ألفت نحو 30 مسرحية أشهرها «ثلاثة فئران عميان» التي بقيت ولفترة طويلة تعرض على مسارح لندن الشهيرة.
لكن أشهر أبطالها كانا اثنين «الآنسة جين ماربل» العجوز البريئة ذات البصيرة النافذة، والمحقق البلجيكي العبقري صاحب أعظم شارب عرفته المملكة «هركيول بوارو»، والذي استوحت شخصيته خلال فترة عملها مع «الصليب الأحمر» أثناء الحرب العالمية الأولى عندما كانت محاطة بالسموم القاتلة ما دفع في رأسها فكرة كتابة قصة بوليسية تدور حول القتل بالسم وبعد ذلك ببضعة أعوام ولد «هركيول بوارو» ذو الاسم الغريب في «القضية الغامضة في ستايلز»، وأصبح بعد بضعة أعوام منافسا حقيقيا لمحقق أسطوري آخر هو «شيرلوك هولمز».
يتمتع «بوارو» بذكاء فريد من نوعه ويصر على أن طريقة تفكيره المنهجية هي المساعد الأول في حل القضايا والجرائم، وعلى عكس «هولمز» يتمتع «بوارو» بشخصية لطيفة محببة مضحكة أحيانا جعلت منه المحقق الأكثر شعبية حتى بعد عقود من وفاة مبتكرته. تم اقتباس قصص كريستي في السينما كثيرا وقدمت أعمالها في أفلام ومسلسلات متنوعة حقق بعضها شهرة مقبولة وبعضها الآخر طواه النسيان حتى جاء عام 2017 حاملا مفاجأة لطيفة، حيث عاد «بوارو» إلى الحياة في فيلم «Murder On The Orient Express» من إخراج كينيث براناه الذي جسد دور المحقق الشهير.
بعد نجاح الفيلم الكبير عاد «براناه» مجددا بفيلم آخر من عالم كريستي البوليسي هو «Death on the Nile» ذلك عام 2022 والذي ورغم وجود بعض التغييرات على الأحداث، إلا أنه حافظ على روح أغاثا كريستي وقدم تجربة ممتعة لواحدة من أشهر رواياتها وأكثرها تعقيدا.
وفي هذا العام عاد «براناه» مجددا إلى شخصية «هركيول بوارو» وهذه المرة مقتبسا واحدة من أقل قصص كريستي شعبية هي قصة «حفلة الهالويين»، وعلى عكس الفيلمين السابقين كانت هناك فروقات شاسعة بين الرواية والفيلم، نستعرضها في السطور التالية: تدور أحداث رواية «حفلة الهالوين» بين أشجار وزهور قرية إنجليزية صغيرة قريبة من لندن، حيث تحضر السيدة «أريادني أوليفر» الكاتبة القصصية الشهيرة حفل هالوين للأطفال ينتهي بجريمة قتل مأساوية تدفعها للجوء إلى صديقها المحقق الشهير «بوارو» لحل لغز الجريمة. أما الفيلم فلم يكتف بتغيير العنوان إلى «مطاردة في البندقية» فحسب، بل تغير موقع الجريمة من قرية مشرقة موردة إلى قلعة كئيبة مسكونة في مدينة البندقية الإيطالية ذلك عام 1947، حين تقنع السيدة «أوليفر بوارو» بحضور جلسة تحضير أرواح في قصر مغنية الأوبرا الشهيرة «روينا دريك»، ذلك لكشف احتيال «جويس رينولدز» ممرضة الجيش السابقة التي اكتشفت فجأة أنها تمتلك قدرة الوساطة الروحية والتي توظفها «درايك» لمساعدتها في التواصل مع ابنتها المنتحرة «أليشيا»، كان هذا الاختلاف فاتحة خير على مزيد من الاختلافات المهمة بين العملين الروائي والسينمائي.
في رواية «حفلة الهالوين» تتفاخر الطفلة ذات الـ 13 عاما «جويس رينولدز» بحماقة أنها شهدت جريمة قتل حقيقية ذلك أثناء حفل الهالوين الذي حضرته الكاتبة البوليسية الشهيرة «أريادني أوليفر» وعند نهاية الحفلة يكتشف الحضور أن «جويس» قتلت غرقا داخل دلو التفاح المغمور بالماء الذي استخدم في إحدى الألعاب.
وفي الفيلم تحولت «جويس رينولدز» من طفلة ثرثارة متفاخرة إلى وسيطة روحية ناضجة تعقد جلسة تحضير أرواح محاولة التواصل مع ابنة صاحبة القلعة «روينا دريك»، ولا ندري تماما سبب كل هذه التغييرات الجذرية في شخصيات الفيلم التي لم تشترك مع الرواية إلا في الأسماء فقط، لكن هذا التغيير قدم لنا قضية ممتعة من نوع مختلف دون شك.