منذ السّاعات الأولى لانطلاق عملية طوفان الأقصى في قطاع غزّة، وما رافقها من إنجازات عسكرية غير مسبوقة للمقاومة الفلسطينية في مواجهة قوات الإحتلال الاسرائيلي، يمكن البناء عليها إيجاباً في المرحلة المقبلة، تفاعل لبنان على جميع المستويات مع العملية، وكان السؤال الأبرز حول إنْ كانت المقاومة اللبنانية ستدخل الحرب إلى جانب المقاومة الفلسطينية أم لا، وما التداعيات في الحالتين؟
إلى جانب التداعيات السّياسية والأمنية والشّعبية كانت التداعيات الإقتصادية حاضرة بقوة، خصوصاً في ضوء تحليلات وتوقعات قالت إنّ القوات الإسرائيلية ستعمل على ضرب مرافق حيوية في لبنان، وتحديداً المطار والمرافىء، بما يعزل لبنان عن العالم الخارجي ويقع تحت دائرة حصار مضروب عليه نتيجة الحرب، وتتوقف عمليات الإستيراد والتصدير، ما يعني فقدان سلع أساسية في البلد، وبالتالي وقوعه تحت عبء أزمات كبيرة.
ففي بلد مثل لبنان يستورد كلّ شيء ليعيش ويستمر في الحياة، حذّر كثيرون منذ الأيّام الأولى لعملية طوفان الأقصى من أن لبنان مقبل على أزمات عدّة وحادّة نتيجة نقص في سلع أساسية كالدواء والغذاء والمحروقات خصوصاً، إضافة الى بقية السلع الأخرى، ما دفع المواطنين القلقين من احتمال تطور الأوضاع في غزة على نحو خطير وأن تمتد نيران الحرب إلى لبنان وبالتالي إنقطاع عدد من السلع، إلى الإقبال عليها وتخزينها، قبل احتمال فقدانها أو اختفائها من الأسواق، أو ارتفاع أسعارها إذا ذهبت الأمور نحو الأسوأ.
واللافت في الأمر أنّ تجاراً ومستوردين ونقابات لعبت دوراً أساسياً في هذا المجال، إذ قاموا بالترويج لاحتمال إنقطاع هذه السلع في حال إندلاع الحرب وفرض حصار على لبنان، برغم أنّهم في المقابل حاولوا طمأنة اللبنانيين من أن المخزون الإستراتيجي لهذه السلع يكفي البلاد لفترة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر، داعين المواطنين إلى “عدم القلق والتهافت على شراء هذه السلع وتخزينها”.
وبرغم محاولة هذه الجهات طمأنة المواطنين إلى أنّه “طالما ليس هنالك حصار على لبنان، ستبقى حركة الإستيراد طبيعيّة، والسّلع مؤمنة”، فإنّ حركة الإقبال على شراء هذه السّلع ومن ثم تخزينها شهدت إرتفاعاً ملحوظاً، أعاد إلى الأذهان ظاهرة إقبال المواطنين على شراء ما أمكنهم من سلع ومواد تموينية مع بداية الأزمة المالية وانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، إلى أنْ تبين أنّ هذه السلع ما تزال متوافرة بأغلبها، لكن مع إرتفاع هائل بأسعارها بلغ أضعافاً، ما جعل أغلب اللبنانين غير قادرين على شرائها، أو حتى التفكير بذلك.
هذه الأزمة التي يعيشها اللبنانيون منذ زهاء 4 سنوات، والحرب التي تدق أبوابهم هذه الأيّام، ليست أبداً غريبة عليهم، فهم تعايشوا معها أباً عن جِدّ، سواء كانت الأزمة سياسية أم أمنية أم إندلاع حرب أم أزمة إقتصادية ومالية، بعدما باتت أعمار اللبنانيين ، كبارهم وصغارهم، مقرونة بالأزمات، لا تفارقهم ولا يفارقونها.