وُلدت القمة العربية ـ الدولية التي عقدت في القاهرة أمس الأول ميتة، وبالتالي فهي كانت لزوم ما لا يلزم، كونها لم تبدل شيئا من الواقع الميداني في غزة، ولم تضغط لفتح معبر رفح لإدخال المساعدات الى الأهالي، حيث بدت الهوة سحيقة بين الحمائم العربية التي تناشد لوقف إطلاق النار، وبين الصقور الغربية التي تريد إفتراس غزة ومقاومتها وأهلها وحماية الكيان المعتدي الغاصب، ولولا سعي البعض لحفظ ماء الوجه العربي برفض إدانة حماس على عملية طوفان الأقصى، لخرجت نتائج القمة لمصلحة إسرائيل بالكامل، الأمر الذي حال دون صدور بيان ختامي.
وعلى قاعدة “لا رأي لمن لا يطاع”، فإن البيان ولو صدر فسوف ينضم الى بيان القمة العربية التي عقدت قبل أيام على مستوى وزراء الخارجية، وسائر البيانات الانشائية التي لا تلزم إسرائيل التي لا تقيم لها وزنا، وفي طبيعة الحال لا تلزم المقاومة الاسلامية المجبرة على الدفاع عن نفسها أمام الهمجية الصهيونية المتمثلة بالقتل والتدمير والتهجير.
يبدو أن السبب الرئيسي للدعوة الى هذه القمة لم يكن لوقف العدوان على غزة، بقدر ما كان من أجل الضغط لعدم تهجير الفلسطينيين من غزة الى سيناء في مصر، ومن الضفة الى الأردن، خصوصا أن البلدين لا يحتملان تهجيرا من هذا النوع، لذلك حاول الرئيس المصري والملك الأردني خلال القمة سحب أي شرعية لهذا “الترانسفير” الجديد من دون أن يلمسوا نتائج إيجابية خصوصا أن الأمر ما يزال مطروحا في ظل الحديث عن الاجتياح البري لغزة.
وفي هذا الاطار، تتولى المقاومة الفلسطينية حماية مصر والأردن من تهجير الفلسطينيين إليهما، من خلال جهوزيتها لصد الاجتياح والتي تخشاها إسرائيل وأميركا على حد سواء، خصوصا أن الكيان الغاصب لا يحتمل هزيمة ثانية يراها الأميركيون واقعة لا محالة في ظل المعنويات المنهارة لجيش العدو الذي ينتظر قرارا بالغزو منذ أسبوع كامل ولم يأت وربما لن يأتي، وفي ظل الضغوط التي يواجهها رئيس الحكومة بينامين نتنياهو في الداخل الاسرائيلي.
واللافت أن نتنياهو وجد في التمني الأميركي عليه تأجيل الغزو البري “حُجة” مناسبة، فسارع الى إعلان الالتزام به، خصوصا أنه يدرك حجم المخاطر التي تحيط بجيشه، وقد سمع سؤالا واضحا من الرئيس الأميركي جو بايدن حول أفق هذا الاجتياح؟، حيث يدرك الأميركيون والاسرائيليون أن من نفذ عملية طوفان الأقصى بهذه الحرفية والقوة، سيكون أكثر إستعدادا لمواجهة الهجوم البري ولتحقيق إنتصار ثان، خصوصا في ظل الأنفاق التي أعدتها حماس والتي لا أحد يعلم مدى تأثيرها السلبي في الاجتياح على العدو.
عدا عن ذلك، فإن القيام بالاجتياح البري يعني أن ينسى العالم الأسرى لدى حماس، ومن بين هؤلاء أميركيين يسعى بايدن للافراج عنهم لاستثمار ذلك في حملته الانتخابية التي بدأها من فلسطين المحتلة على دم أهالي غزة وبدعمه المطلق لاسرائيل وتبرأتها من مجزرة المستشفى الأهلي المعمداني.
وما يضغط أكثر فأكثر على نتنياهو هو مواجهته اليومية للتحركات الشعبية لأهالي الأسرى من العسكر والمدنيين الاسرائيليين الذين يطالبونه بحمايتهم وإعادتهم سالمين، وقد شهد أحد التجمعات هتافات من الأهالي تناشد حماس بأن “تأخذ نتنياهو وتطلق سراح أبنائهم”، وكذلك الأزمة التي يواجهها مع المعارضة التي تحاول إظهار فشله في حماية إسرائيل وتطالب بإسقاطه ومحاكمته، وأيضا الخلاف القائم بين الحكومة التي تحاول حفظ ماء وجهها بالاجتياح وبين الجيش الذي يدرك المخاطر المحدقة به، فضلا عن ضغط التهديد المباشر بفتح جبهات محور المقاومة التي عبرت عن نفسها في الأيام الماضية، والتي يتقدمها حزب الله منذ الثامن من تشرين الأول وبشكل يومي ويلحق في صفوف العدو خسائر جسيمة بفعل الاصابات المباشرة التي يحققها في مراكزه وآلياته وجنوده.
ولا شك في أن الارباك الذي ظهر أمس على نتنياهو خلال جولته الخاطفة على الحدود مع لبنان، يؤكد أن توازن الرعب الذي عززه حزب الله خلال الفترة الماضية يخيم عليه وعلى تصريحاته التي ترفع السقف لتجنب توسيع نطاق المواجهات!..