ولّدت الحقبة الأخيرة التي عاشها لبنان في الماضي القريب، حالة جديدة ونمط عيشٍ جديدٍ يتماشى مع الوضع الإقتصادي الرّاهن في البلاد، وهو العمل عن بُعد، من داخل المنازل.
لربّما كان زمن كورونا أوّل من هيّأ للموضوع، خصوصًا بعد تفشي هذا الفيروس وما تبعه من سياسيات الحجر الصحي، التي فرضت نقل الكثير من المكاتب والأعمال إلى المنازل.
هذه “العادة” استمرّت رغم انتهاء زمن كورونا، بعد أن ارتفعت صفيحة البنزين وكثرت المصاريف العائلية وانخفضت قيمة العملة الوطنية مقابل الدّولار.
ونتيجةً للفقر الذي يعيشه لبنان، شعر الموظّف أنّ عمله من المنزل، يُعدّ أقلّ تكلفة عليه مما كانت في السابق، لاسيّما للذي يتقاضى راتبه بالعملة اللبنانية حتّى الساعة، وكذلك الأمر بالنّسبة للشركة، بحيث تُحاول الإدخار قدر المستطاع وتأمين موظفين من كافّة القطاعات من داخل بيوتهم، لتتهرّب من دفع المستلزمات والطلبات التي يتوجّب عليها، من تأمين وسائل النقل، التهرب من الضرائب، والتخفيف من مصاريف لها علاقة بالكهرباء والمياه.. إلخ ليكون الحلّ الأنسب لكلا الطرفين.
السوق المنزلي: واقع فارض نفسه
لا شكّ أنّ الأزمة الإقتصادية اللبنانية ولّدت أشكالًا مختلفة من إزدهار الأعمال غير المرئية، بعدما تحوّلت بيوت الآلاف إلى مشاغل ومكاتب صغيرة، منها لأسبابٍ صحيةٍ والأخرى لأسبابٍ اجتماعيةٍ إقتصادية. فكيف نصف الحالة اليوم؟
دخلت مجالات عملٍ جديدةٍ إلى السوق المحلّي، منها من يتعلق بمواقع التواصل الإجتماعي، والتصوير والتسويق الإكتروني، لتأخذ حيزًا واسعًا من الأعمال. ومنها من له علاقة بالتدريس عن بُعد، والهندسة وتصميم الديكورات المنزلية والصحافة الإكترونية وبيع الملابس والأغراض المنزلية والأكسسوارات وغيرها.
وعن أفضل 12 وظيفة عن بعد: خدمة العملاء، إستخدام الكمبيوتر للمبتدئين، البرمجة، وظائف في المبيعات، التعليم عن بعد، وظائف في إدخال البيانات، وظائف في الترجمة، وظائف في المجال الطبي، مطور الويب ومصمم الغرافيك، كتابة الاعلانات والتسويق، تدريس لغات مثل الانكليزية، تطوير تطبيقات للجوالات. وكل تلك الوظائف لا تحتاج سوى للكبيوتر، الهاتف والانترنت.
التحول الرقمي هذا، ساهم في نشر ثقافةٍ جديدةٍ دخلت منازل الموظفين والموظفات، لتصبح هدفًا لهم كونها الأقل تكلفة من حيث الماديات والمصاريف والبنزين، حتى أنها الأكثر راحةٍ والأوفر وقتًا (لاسيّما للمناطق التي تشهد اكتظاظا سكانيا وزحمات سير).
حالة كريستينا
درست كريستينا تصميم الأزياء وأحبّت الرسم والفاشن والموضة. ولأن الشركات اليوم لا تعطي الموظف حقّه كاملًا، على حد قولها، قررت إنشاء صفحة إلكترونية خاصة بها على منصّة إنستغرام وبدأت بتطريز الجزادين النسائية بالخرز.
الجزادين هذه، تزخرف بالألوان الجميلة، وتُباع عن طريق التواصل الخاص مع الصفحة ورقمها الخاص، لتقوم الأخيرة بتوصيلها عن طريق الديلفري.
من داخل منزلها، تقوم كريستينا بأخذ طلبات الزبائن، تصميم الجزادين واختيار الالوان المناسبة لكل زبونة، ومن ثم بيعها بأسعارٍ مختلفةٍ، حسب كمية الخرز الموجودة فيها وحجم الحقيبة، وتتراوح الأسعار من 25 إلى 60 دولارا أميركيا.
وعلى حدّ تعبير كريستينا، الربح الصافي لها هو 100% لأن الزبون هو من يدفع 10% من قيمهة الحقيبة للديلفري.
وتؤكد للديار: أنا لا أتحمل مسؤولية أي مصاريف إضافية، وما يشجعني على الأعمل أكثر هو حبي وشغفي لهذه الوظيفة.
حالة كريستينا ليست الاولى ولا الأخيرة التي تمثل وضع شبابنا اليوم الذين باتوا يتّكلون على العمل عن بعد، بالاضافة إلى التعليم عن بعد وكسب شهاداتٍ إضافية عن بعد.
دراسة علمية:
وبناءً على دراسة أجرتها شركة أميركية متخصصة في اتجاهات العمل والإنتاجية عام 2019 تناولت 1004 موظف وموظفة (505 منهم يعملون من خارج مكاتب الشركة) تبين بوضوح أن الذين يعملون عن بعد هم أكثر إنتاجية من الذين يعملون في مكاتب الشركة وقد خلصت الدراسة إلى النتائج التالية:
1. إن الموظفين الذين يعملون عن بُعد يعملون في الشهر 1.4 يوم أكثر من الذين يعملون في مكاتب الشركة وهو ما يعادل 17 يومًا إضافيًا في العام.
2. الذين يعملون عن بعد يأخذون راحة تبلغ في المتوسط نحو 22 دقيقة في اليوم مقابل راحة للعاملين في المكتب تبلغ نحو 18 دقيقة، إلا أن العاملين عن بعد يعملون نحو 10 دقائق إضافية في اليوم بالمقارنة مع أقرانهم.
3. العاملون في المكتب يمرون بفترة عدم إنتاجية تبلغ نحو 37 دقيقة في اليوم وهذا من دون احتساب فرص الغداء مقابل 27 دقيقة للعاملين عن بعد.
4. 15 % من العاملين عن بُعد قالوا إن رب العمل يتسبب بتشتيت تركيزهم وهي نسبة أقل من الـ 22 % للعاملين في المكتب.
5. نسبة أكبر من العاملين عن بُعد قالوا إنهم يعانون من بعض التوتر إلا أن جمعية المعالجين النفسيين الأميركية قالت إن العمل عن بُعد يعطي درجة اكتفاء أعلى ويمكن أن يكون خالياً من أي توتر إذا تمّ تطبيقه بصورة صحيحة، ولهذا أظهرت دراسة لشركة أميركية متخصصة أن 37% من العاملين عن بُعد مستعدون للقبول بخفض 10 %من رواتبهم مقابل الاحتفاظ بصيغة العمل عن بُعد، وبسبب الشعبية المتزايدة لهذا الأسلوب فإن نسبة كبيرة من الموظفين ترفض عروضًا بالعمل في مكاتب الشركة بسبب ثقتها في إمكان إيجاد فرصة للعمل عن بُعد.
والنتيجة، إن العمل عن بُعد أو من البيت خيار فعّال لكن يجب تطبيقه بصورة صحيحة وهو قد لا يكون ملائمًا لكل موظف أو لكل نوع من الأعمال.