لو كنت مستثمراً..كيف تخرج دولاراتك من سوريا؟
2023-10-22 08:10:03
مرّ القرار الأخير الصادر عن مصرف سورية المركزي، بخصوص كيفية إخراج القطع الأجنبي للمستثمر الخارجي، من دون أن يثير أي اهتمام في أوساط المعنيين والمتابعين للشأن الاقتصادي السوري. ولم يحظ القرار، حتى ساعة كتابة هذه السطور، بأي تعليق أو نقاش من جانب الخبراء الاقتصاديين، لا على ضفة النظام، ولا على ضفة المعارضة. وكان يمكن أن نقول إنها علّة التوقيت، فمن ذا الذي سيتحدث عن الاستثمار، فيما المنطقة برمتها تقعد على برميل بارود، جراء الحرب الإسرائيلية المستعرة على قطاع غزة. لكننا نعتقد أن عاملاً آخر قلل من الاهتمام المُفترَض بالقرار، يتعلّق بكونه تأكيداً جديداً، لأمر مؤكّد، وهو عدم جاذبية البيئة السورية للاستثمار.
توحي الديباجة الموجزة للقرار -والتي تداولتها وسائل إعلام النظام،من دون تعليق- بأنّه غزلٌ للمستثمر الخارجي المأمول قدومه إلى سوريا. فهي تقدّم له "ضمانة" قانونية بقدرته على تحصيل أرباحه من الاستثمار في سوريا، وبالقطع الأجنبي. لكن تفاصيل القرار تفيد بخلاصة مناقضة.
فإن كنت مستثمراً سورياً (غير مقيم) أو عربياً أو أجنبياً، وقررت الاستثمار في سوريا، باستخدام رأس مال محوّل من الخارج بالقطع الأجنبي، فإنه يمكن لك استعادة رأس المال هذا، أو أرباحه وفوائده السنوية، وبالقطع الأجنبي. لكن عليك المرور بالخطوات التالية: توفير 9 وثائق مختلفة، على الأقل، من 7 جهات مختلفة، على الأقل. وانتظار برهة من الوقت، إلى حين تدقيق المصرف المُعتمد أو شركة الصرافة المُرخّصة، للبيانات، والتأكد من مطابقتها، ومن ثم مراسلة المصرف المركزي، لطلب الموافقة على عملية بيع أو تحويل القطع الأجنبي لصالح المستثمر الخارجي. المركزي بدوره، سيدقق البيانات ويطابقها، وفي حال وجد أي تفاصيل غير صحيحة أو ناقصة أو غير دقيقة، فسيراسل المصرف المُعتمد أو شركة الصرافة المُرخّصة، ويطلب تدقيق البيانات مجدداً، خلال 5 أيام عمل ويفرض بدل تسوية بقيمة 100 ألف ليرة سورية (نحو 7 دولارات) على المصرف أو شركة الصرافة المعنية. وعلى المستثمر أن ينتظر إتمام التسوية ودفعها.
ما سبق خلاصة ثلاث صفحات من التفاصيل المعقّدة، أو ما فهمناه منها. وكما هو جليّ، فإنها تتناقض مع الأبجديات الأوليّة لتوفير بيئة قانونية جاذبة للاستثمار، وهي الابتعاد عن البيروقراطية، وعدم تعقيد القوانين وبساطتها ووضوحها. بطبيعة الحال، لم تصدر التعليمات التنفيذية للقرار بعد، مما يزيد من الغموض حول كيفية تطبيقه، إن تم تطبيقه فعلاً. ذاك أن إحدى النقاط الحاسمة في القرار، هي تلك المتعلّقة بسعر الصرف الذي سيُعتمد في عملية بيع القطع الأجنبي للمستثمر الخارجي. فإذا كان المشروع الاستثماري، يستهدف السوق المحلية، فالأرباح ستكون بالليرة السورية، وتحويلها إلى دولار، يستلزم تحديد سعر صرف مُعتمد لذلك. والقرار لم يوضح هذه الحيثية. لكن إجابة قديمة لهيئة الاستثمار السورية عن تساؤل يخص نفس القضية، قد تساعدنا في توقّع سعر الصرف الذي سيُعتمد بهذا الخصوص. إذ، وفي الإجابة عن تحويل حصة المستثمر الخارجي، أشارت الهيئة إلى اعتماد نشرة "أسعار المصارف والصرافة" الصادرة بتاريخ بيع القطع الأجنبي. وكانت هذه الإجابة قبل نحو سنة. وقد ألغى المركزي لاحقاً، نشرة "أسعار المصارف والصرافة"، وحلّت محلها "نشرة السوق الرسمية"، التي تحدد الدولار بـ 11500 ليرة سورية. وهي نشرة أسعار متغيّرة (شبه يومية). أي أن المستثمر الخارجي سيخسر نحو 20% من قيمة أرباحه وفوائده، أو حتى رأسماله، في حال أراد تحويلهم من الليرة إلى الدولار بغية إخراجهم من سوريا، وذلك بناء على مقارنة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء.
اللافت في الأمر، أن هيئة الاستثمار السورية اضطرت إلى الإجابة على التساؤل المشار إليه، بعد نحو سنة من صدور قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021. إذ لم يكن هناك ناظمٌ قانونيٌ لعملية إخراج القطع الأجنبي لصالح المستثمرين الخارجيين. وتطلب الأمر أكثر من سنتين منذ صدور قانون الاستثمار حتى أصدر المركزي، قبل بضعة أيام فقط، قراراً ينظّم هذه القضية. وهو ما يؤشّر إلى أحد أمرين، إما أن قانون الاستثمار الذي تم التطبيل والتزمير له، وقت صدوره، بصورة مبالغ فيها، لم يجذب أي استثمارات خارجية، تتطلب صيغة قانونية لتنظيم عملية إخراج القطع الأجنبي المرتبط بها. أو أن السلطات المعنية بهذا الشأن، وهي هنا المصرف المركزي، تباطأت في تنظيم هذه القضية لأكثر من سنتين، مما يعكس حجم البيروقراطية المتبلّدة التي تحكم العمل الحكومي السوري. وأياً كان التفسير الدقيق لهذا التأخر في قوننة إخراج القطع الأجنبي للمستثمر الخارجي، فهي تعكس عدم جاذبية البيئة السورية للاستثمار.
وفي النقطة الأخيرة، يصعب حصر عوامل طرد الاستثمار من سوريا. فهو بلد غير مستقر سياسياً وأمنياً، وعليه عقوبات غربية، وسعر صرف عملته المحلية غير مستقر، ولا تتوفر فيه البنى التحتية الأساسية، ناهيك عن ضعف القدرة الشرائية للمواطن السوري، وعدم توفر عناصر الإنتاج ومستلزماته، وصعوبة الاستيراد من الخارج، وتفشي الفساد الإداري، والفوضى وعدم الشفافية في عملية التحصيل الضريبي.
وجاء القرار الأخير للمركزي ليعزّز عاملاً آخر، لطالما اشتكى منه المهتمون بالاستثمار في سوريا. وهو القيود على حركة رأس المال وصعوبة تحويل الأرباح إلى الخارج بالقطع الأجنبي. ليبقى السؤال: من قد يفكر بالاستثمار في سوريا؟
المدن - إياد الجعفري