لم يخرج لبنان من قواعد الاشتباك ويواصل اتصالاته في كل الاتجاهات داخلياً وعربياً ودولياً لتثبيتها وضمان عدم الخروج منها، فيما أعدّ خطة طوارئ حكومية لمواجهة كل الاحتمالات على كل المستويات، في وقت يستقبل اليوم وزيرة الخارجية الالمانية انالينا بيربوك، بعدما كان استقبل قبل ايام وزراء الخارجية الايرانية والفرنسية والتركية حسين امير عبداللهيان وكاترين كولونا وحقّان فيدان، وربما يستقبل آخرين لاحقاً، في اطار مساع ديبلوماسية تهدف الى وقف الاعتداءات الاسرائيلية وعدم الانخراط في حرب غزة.
هل لبنان ذاهب إلى حرب؟
تحت ثقل هذا السؤال انعقدت جلسة مجلس الوزراء في السرايا الحكومي الكبير امس، لدرس خطوات احترازية مواكبة للأجواء القاتمة المسيطرة على لبنان والمنطقة والآيلة الى التصاعد تدريجاً، فأعلنت خطة طوارئ قسّمت فيها المناطق اللبنانية الى «زونات» zone حمراء (المنطقة الحدودية) وصفراء (من النبطية نزولاً الى صيدا) وخضراء (المناطق التي يُفترض ان تكون آمنة) في حال تعرّض لبنان لعدوان اسرائيلي.
وتعتمد هذه الخطة الاحترازية على تفعيل خطة الاستجابة تحت إشراف الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث والأزمات، لاتخاذ اجراءات وتدابير وآليات عمل من جانب الاجهزة المعنية والوزارات والادارات والبلديات، بالتنسيق مع المنظمات التابعة للامم المتحدة، الذين أبلغوا الى الحكومة رسالة بأنّهم لم يتركوا لبنان، وهم مستمرون في العمل على الأراضي اللبنانية.
وأكّدت مصادر حكومية لـ «الجمهورية»، أن لا تطمينات تتلقّاها الحكومة لا من جهة «حزب الله» ولا من جهة الأميركيين المستمرين في تقديم رسائل واضحة بضرورة عدم انخراط لبنان في معركة غزة، ويحذّرون من عواقب قاسية عليه، فيما تعمل دول اخرى على بذل جهود ومساعٍ للضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المتكرّرة على جنوب لبنان لعدم جرّ «حزب الله» الى ردّات فعل.
وسيصل اليوم إلى بيروت رابع وزير خارجية، فبعد الايراني والفرنسي والتركي، يلتقي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وزيرة الخارجية الالمانية في اطار الاتصالات واللقاءات الجارية لمناقشة التصعيد الكبير الذي حصل في المنطقة.
واكّد ميقاتي خلال جلسة لمجلس الوزراء أمس، أنّه واصل طوال الايام الماضية «إجراء الاتصالات واللقاءات الديبلوماسية لشرح الموقف اللبناني ومطالبة الدول الصديقة بالضغط لمنع الاعتداءات الاسرائيلية وامتداد النيران الى الداخل اللبناني». وقال: «نحن مستمرون في اتصالاتنا بنحو مكثف، وتلقيت في الساعات الماضية بعض الأجواء الديبلوماسية التي أبدت تفهماً للمخاوف اللبنانية ووعداً باستمرار السعي لوقف الاعتداءات الاسرائيلية. وآخر هذا الاتصالات جرى قبل بدء الجلسة بدقائق من قِبل الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش الموجود في القاهرة، والذي وضعني في اجواء الاتصالات تمهيداً لعقد مؤتمر في القاهرة يوم السبت المقبل (غداً)».
وتمنّى ميقاتي ان «يكون هناك موقف داخلي موحّد، ولن نملّ من تكرار هذه المطالبة، وندعو الجميع سواء كانوا مشاركين في الحكومة أو خارجها، وخصوصاً المشاركين في الحكومة، والذين لا يحضرون جلساتها». ودعا «جميع اللبنانيين مسؤولين وقيادات وافراداً» الى «ان نوحّد جهودنا وموقفنا لتمرير هذه المرحلة الصعبة». مطمئناً الى «اننا مستمرون في العمل بكل طاقتنا والإمكانات المتوافرة لتحصين الوضع الداخلي إزاء الأحداث»، مؤكّداً أن «لا مصلحة للبنان لأحد في التعدّي على البعثات الديبلوماسية القائمة في لبنان، لأننا في أمسّ الحاجة الى تفهّم خارجي للوضع اللبناني ومؤازرة لمواجهة التحدّيات الداهمة».
وإذ وافق مجلس الوزراء على خطة وزارة الاشغال العامة والنقل ووزارة الصحة في ما يتعلق بإدارة الكوارث، كتب وزير الاشغال والنقل علي حمية عبر منصّة «إكس»: «خطتان أعدّتهما وزارة الاشغال العامة والنقل، وافق عليهما مجلس الوزراء هذا اليوم:
1- معالجة الثغرات وتأمين حسن وانتظام سير العمل والسلامة العامة في المطار.
2- تأمين عوامل الجهوزية لمواجهة اي احتمالات ممكنة على البنى التحتية طرقات، جسور، مطار، مرافئ وتأمين متطلبات الاستجابة مالياً وادارياً».
وفي خطوة مفاجئة ومن خارج جدول الاعمال، كلّف مجلس الوزراء أمانته العامة إعداد مشروع قانون لرفع السن التقاعدي سنة واحدة للعميد واللواء، بالتوازي مع درس الحلول القانونية المتاحة لملء الشغور في المؤسسة العسكرية.
في مجلس الأمن
على الصعيد الديبلوماسي، علمت «الجمهورية» من مصادر ديبلوماسية انّ اجتماعات علنية ومغلقة تُعقد في مجلس الامن الدولي لمتابعة الوضع في جنوب لبنان وغزة وبمشاركة الدول المعنية، وشارك فيها مندوب لبنان في المنظمة الدولية هادي هاشم، الذي التقى عدداً من رؤساء البعثات، ولا سيما منهم الاميركي والفرنسي والروسي والصيني والالماني والسعودي والقطري والايراني والتركي، ومساعدي الامين العام للامم المتحدة غوتيريش، للبحث في سبل تهدئة التوتر في جنوب لبنان وغزة.
وافادت معلومات المصادر لـ «الجمهورية»، انّ جميع المندوبين يشدّدون في الاجتماعات المغلقة، على ضرورة وأهمية وقف التوتر عند الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية «حتى لا تحصل ردّة فعل واسعة لجيش الاحتلال الاسرائيلي، وذلك من باب الحرص على لبنان من جانب الدول الصديقة له، وحرص الدول الصديقة لإسرائيل عليها». وذكرت المصادر، انّ لهجة غالبية الدول تبدّلت قبل مجزرة مستشفى المعمداني في غزة وبعدها اكثر، «من الدعم المطلق لإسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، إلى الدعوة لإلتزام القوانين الدولية في الحروب واحترام حقوق الانسان وعدم انتهاك الحقوق الانسانية بالتعرّض للمدنيين».
وبدا انّ الاتجاه الدولي بات يميل اكثر الى نوع من التوازن، بدليل انّ مشاريع واقتراحات القرارات التي قدّمتها روسيا والبرازيل ودول اخرى واعترض عليها بعض الدول، أجمعت على وقف التصعيد ورفض قتل المدنيين.
حملة متواصلة
وفي إطار المواجهة الديبلوماسية التي يخوضها لبنان لملاقاة التحذيرات الدولية بشأن ضرورة تجنيبه اي مواجهة مع اسرائيل، التقى وزير الخارجية عبدالله بوحبيب السفراء العرب المعتمدين في لبنان بعد لقاءاته مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي والدول المشاركة في قوات «اليونيفيل».
وقال بو حبيب، انّه لمس في الاجتماع الوزاري في جدة امس الاول «تماسكاً عربياً في مقاربة العدوان على غزة، ويجب استثماره لإقناع الدول الغربية بالضغط على اسرائيل لوقف هذه الحرب العبثية والحصار الظالم». وأكّد «انّ الحل العادل والشامل للنزاع يبدأ أولاً وثانياً وأخيراً بالفلسطينيين». وكشف انّ توافقاً تمّ على 4 نقاط رئيسية هي: التوصل الى وقف فوري لإطلاق النار، رفض تهجير الفلسطينيين وتوطينهم في اي بلد آخر، السماح بإدخال الفوري للمساعدات وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية هو الحل الوحيد المناسب».
وعشية لقائه بسفراء الدول الاوروبية المقرّر اليوم، ثمّن بوحبيب «الموقف الأخلاقي» لرئيس المجلس الاوروبي شارل ميشال والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والامنية للاتحاد الاوروبي جوزيف بوريل حول ضرورة وقف التصعيد، وإيصال المساعدات الى غزة، وحماية المدنيين، ومطالبة إسرائيل باحترام القانون الدولي الإنساني». وقال: «نريد سماع الصوت الاوروبي عالياً بالدفاع عن حقوق الإنسان في غزة». كاشفاً أنّه طلب من سفيرة الاتحاد الأوروبي الجديدة ياندرا دي وايلي خلال اجتماعه بها نقل هذه الرسالة.
وزيرة خارجية ألمانيا
وتزور وزيرة خارجية ألمانيا انالينا بيربوك لبنان اليوم، في إطار جولتها التي شملت حتى اليوم القاهرة وعمان وتل أبيب. وتأتي زيارتها هذه بعد ساعات على مغادرة وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بيروت، إثر تفقّده الوحدة الالمانية العاملة ضمن القوة البحرية التابعة لـ»اليونيفيل» وحذّر من أي فكرة توحي باحتمال انسحاب قوات «اليونيفيل» في ظلّ الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة «حماس». وقال لصحافيين، على متن السفينة الحربية الألمانية «أولدنبورغ» الراسية في مرفأ بيروت، إنّ «خفض أو سحب قوة «اليونيفيل» سيكون إشارة خاطئة في هذا الوقت».
طلب من البرازيل
وفي إطار الحملة الديبلوماسية، اتصل بوحبيب بنظيره البرتغالي جواو كرافينيو كون بلاده عضو في مجلس الأمن، وطلب منه ضرورة المساعدة والضغط على اسرائيل لوقف إطلاق النار والاستفزازات وفك الحصار عن غزة، وإدخال المساعدات الانسانية ومنها الغذاء والدواء، وإحترام القانون الدولي وقانون الحرب.
الأميركي والبريطاني
وتعليقاً على دعوات السفارة الاميركية المتكرّرة لمواطنيها للاستعداد لمغادرة لبنان، اوضحت مراجع مسؤولة للمعنيين اللبنانيين الذين سألوا عن اسباب هذا الإصرار على مغادرة لبنان، وإن كانت لديها معلومات عن مستقبل الوضع الأمني فيه، أنّ التحذير صادر بتعليمات مباشرة من وزارة الخارجية في واشنطن في اعتباره «تحذيراً عالميّاً للرعايا الأميركيين في بلدان العالم كافة». وهي إشارة توحي بإمكان تعرّض الأميركيين لهجمات «مجموعات ارهابية» او «متطرفين»، ما يؤدي إلى قيام أعمال عنف قد يكون مواطنوها ضحية لها.
وقد حضّت السفارتان الأميركية والبريطانية رعاياهما امس على مغادرة لبنان «طالما الخيارات التجارية متاحة»، في تحذيرين جديدين على وقع التوتّر الذي تشهده الحدود الجنوبية مع إسرائيل.
وقالت السفارة الأميركية في تحذير جديد أرسلته الى رعاياها في لبنان «تحضّ وزارة الخارجية المواطنين الأميركيين في لبنان على وضع خطط للمغادرة في أقرب وقت ممكن بينما لا تزال الخيارات التجارية متاحة». وأوصت الراغبين في البقاء بـ»إعداد خطط استعداداً لحالات الطوارئ».
وكانت واشنطن رفعت الأربعاء مستوى التحذير من السفر من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الرابعة وهي الأعلى، ونصحت جميع الأميركيين بعدم السفر إلى لبنان. وسمحت كذلك بمغادرة الموظفين غير الأساسيين وعائلاتهم من سفارتها في بيروت.
وفي السياق ذاته، حدّثت السفارة البريطانية في بيروت نصيحة عدم السفر الى لبنان. وقالت في بيان امس «تنصح وزارة الخارجية والتنمية الآن بعدم السفر إلى لبنان وتشجّع المواطنين البريطانيين الذين يعتزمون المغادرة على القيام بذلك الآن، طالما الخيارات التجارية متاحة». وحضّت رعاياها على أن «يبقوا يقظين»، ويتجنّبوا «أي تجمعات أو مسيرات أو مواكب، واتباع تعليمات السلطات المحلية»، مكرّرة التنبيه إلى أنّ «الوضع لا يمكن التنبؤ به ويمكن أن يتدهور من دون سابق إنذار».
في وقت لاحق الخميس، طلبت وزارة الخارجية الألمانية من مواطنيها «مغادرة لبنان»، داعية إياهم بدورها الى استخدام «خيارات السفر التجارية المتوافرة لمغادرة البلد بأمان».
وحذّرت من أنّ وتيرة الاشتباكات في المنطقة الحدودية مع إسرائيل «قد تتصاعد في أي وقت».
وكانت السلطات السعودية دعت امس الاول رعاياها إلى مغادرة لبنان فوراً، غداة دعوة مماثلة من الكويت. وفي وقت سابق، حضّت فرنسا وكندا وإسبانيا وألمانيا وأستراليا رعاياها على تجنّب السفر إلى لبنان، بينما أوقف عدد من شركات الطيران الغربية رحلاته الى بيروت.
مواجهات
على الصعيد الميداني، تلاحقت المواجهات امس على الجبهة الجنوبية بين المقاومة وقوات الاحتلال الاسرائيلي من القطاع الشرقي الى القطاع الاوسط فالقطاع الغربي، واعلن «حزب الله» في بيانين منفصلين استهدافه مواقع عسكرية إسرائيلية. فيما تبنّت «كتائب عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، إطلاق 30 صاروخاً باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة. وأعلن الجيش الإسرائيلي بدوره أنّه قصف مصادر النيران.
ومساء امس حاصر الاسرائيليون بالنار مجموعة من الصحافيين لساعات في موقع العباد قبالة بلدة حولا الحدودية إثر تعرّضهم لهجوم صاروخي شنّته المقاومة عليه، وانتهى الحصار بتمكن الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل» من سحب المحاصرين الذين قُتل احدهم وجُرح آخر.
وقال الناطق الرسمي بإسم «اليونيفيل»، أندريا تيننتي، إنّ «القوات المسلحة اللبنانية طلبت هذا المساء من «اليونيفيل» مساعدة 7 أفراد علقوا بالقرب من الخط الأزرق، على مقربة من قبر الشيخ عباد، خلال تبادل إطلاق نار كثيف عبر الخط الأزرق». وأشار الى انّ «اليونيفيل اتصلت بالجيش الإسرائيلي وحثته على وقف إطلاق النار لتسهيل عملية الإنقاذ»، مضيفاً انّ «الجيش الإسرائيلي أوقف اطلاق النار، ما أتاح للجيش اللبناني إخراج الأفراد بنجاح من المنطقة».
وختم: «للأسف، فأنّ أحد الأشخاص فقد حياته خلال هذا الحادث وتمّ إنقاذ الآخرين بنجاح».
«حزب الله»
وفي غضون ذلك، أكّد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله في تصريح له أمس خلال مراسم تشييع شهيدي المقاومة من بلدة عيترون الحدودية «أنّ المقاومة تعرف ما عليها أن تقوم به، فهي لا تُؤخذ بالتهويلات وبالتهديدات والضغوطات، ولا تؤخذ بالانفعالات، فهي تدرس الخيارات وتضع كل الاحتمالات والسيناريوهات أمامها، وعندما يحين وقت اتخاذ الموقف الذي تراه في مصلحة هذه المواجهة مع العدو الإسرائيلي أياً يكن هذا الموقف، سياسي أو شعبي أو ميداني أو إنساني، فإنّها تتخذه، وهي لا تتصرف إلاّ انطلاقاً من قناعاتها ومن رؤيتها الاستراتيجية للصراع مع العدو، وتنظر إلى هذا الصراع على أنّه صراع الأمّة، وكلنا معنيون به، وكل العرب والمسلمين والأحرار معنيون بهذا الصراع، وشعبنا لديه ثقة عالية بقيادته وعلى رأسها سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي يمتلك الحكمة والشجاعة والجرأة، والذي يواكب ويتابع المجريات والتطورات لحظة بلحظة».