على الرغم من أنّ الشّارع الطرابلسي لم يهدأ منذ عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها المقاومة في قطاع غزة في 7 تشرين الأوّل الجاري، تضامناً ودعماً وتعاطفاً بعد عملية وجد أنّها أعادت له شيئاً عزيزاً من كرامته، ونفض من خلالها الغبار عن تأييده للقضية الفلسطينية وانتمائه القومي، فإنّ اليوم الجمعة سيكون تأكيداً على استعادة المدينة ثوابتها والمبادىء التي نشأت عليها وترسّخت فيها.
يعود ذلك إلى أنّ القوى السّياسية والنقابية والأهلية والكشفية، الإسلامية والوطنية في طرابلس والفصائل الفلسطينية في الشّمال واتحاد نقابات العمال والمستخدمين في لبنان الشّمالي، وجماهير طرابلس والشّمال، دعت إلى المشاركة في “المسيرة الكبرى” التي ستنطلق بعد صلاة الجمعة من الجامع المنصوري الكبير، تضامناً مع غزة وانتصاراً لفلسطين، وتنديداً بحرب الإبادة والتهجير الصهيونية وإعتزازاً بالمقاومة وإنجازات عملية “طوفان الأقصى”.
أكثر من رمزية ودلالة يمكن إستخلاصها من “المسيرة الكبرى” اليوم، لعل أولاها وأبرزها أنّها ستنطلق من الجامع المنصوري الكبير وسط المدينة القديمة، وهو المكان الذي اعتادت أن تنطلق منه، طيلة السنوات والعقود الماضية منذ نشأة دولة لبنان الكبير في العام 1920، التظاهرات والمسيرات التي تُعبّر عن تضامن طرابلس مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية والقومية من المحيط إلى الخليج، في استعادة لها رمزيتها الهامّة لهوية طرابلس وتمسكها بها، واستعادة الشّارع الطرابلسي والشّمالي نبضه.
ثاني هذه الدلالات أنّ مساجد المدينة لم تهدأ طيلة ليل الخميس ـ الجمعة وهي تعلو بالتكبيرات والحثّ على المشاركة في المسيرة الكبرى، وهي تكبيرات كانت صدحت بها مآذن مساجد طرابلس كافّة يوم الإعلان عن تنفيذ عملية “طوفان الأقصى”، إحتفاء بنصر غير مسبوق على العدو الصهيوني، كُسرت فيها هيبته، وهُزم فيها الجيش الذي لطالما إدّعى أنّه لا يُقهر.
ثالث هذه الدلالات أنّ المشاركة في المسيرة ستكون جامعة، إذ أنّ جميع الأحزاب والتيّارات والقوى السياسية والنقابية والفصائل الفلسطينية ستشارك فيها، في إشارة لافتة إلى أنّ القضية الفلسطينية وحّدتهم، وهي التي كانت دائماً تجمعهم برغم كلّ الإختلافات والخلافات بينهم.
رابع هذه الدلالات أنّ المنظمين أرادوا إخراج المسيرة الكبرى بأبهى حلّة، لتكون خير معبّرٍ عن تضامن طرابلس مع غزة والقضية الفلسطينية بعيداً عن العفوية والعشوائية معاً، من خلال دعوتهم المشاركين في المسيرة إلى ارتداء اللباس الأسود، تعبيراً عن غضبهم وحزنهم على الشّهداء الذين يسقطون في القطاع على أيدي قوات الإحتلال الاسرائيلي في جرائمه ومجازره، الذين كان آخرهم شهداء المستشفى المعمداني، والإكتفاء برفع العلم الفلسطيني حصراً.