يعتبر الكثيرون فيلم «The Exorcist» لعام 1973 أعظم فيلم رعب على الإطلاق. فهو أول فيلم رعب بالتاريخ يتم ترشيحه لجائزة أفضل فيلم في حفل توزيع جوائز الأوسكار. لقد أضفى أهمية على هذا النوع ورفع من مستواه وأثر عليه بطرق عميقة للغاية، لدرجة من الصعب إعادة تقديمه دون التفكير في ثقل سمعته. لكن في قلب «The Exorcist» كانت هناك قصة بسيطة خادعة عن أم تمتلك الكثير من الأموال ولديها إمكانية الوصول إلى أفضل الأطباء في واشنطن، وجميعهم توصلوا إلى استنتاج مفاده أنه أيا كان البلاء الذي تعاني منه ريغان ماكنيل سيتطلب كاهنا لمحاربته. وبعد خمس سنوات أطلق فيلم «Halloween» لجون كاربنتر جيلا جديدا من الرعب المبني على قصة أبسط، قناع وسكين وفتاة بريئة أخرى في مرمى الشر الخالص، والآن تم إحياء كلا الفيلمين البارزين وتبسيطهما من قبل المخرج ديفيد غوردون غرين.
ومع أن فيلم «Halloween» الذي صدر عام 2018 كان بمنزلة تصفية حسابات بالنسبة إلى لوري سترود وعائلتها ومسقط رأسها، والتي كانت مرتبطة بشكل وثيق بفورة القتل الأصلية لمايكل مايرز، إلا أن «The Exorcist: Believer» لا يقدم منظورا واضحا بنفس المقدار حول تفاصيل كيف أصبحت ريغان ممسوسة في يومنا هذا، ما يجعل «Believer» يبدو بأنه يهيم بلا هدف نسبيا ويكافح من أجل مواكبة الأفلام المقلدة والأصلية التي ألهمها فيلم «Exorcist» الأصلي.
يتبع «Believer» الخطوط العريضة لبنية الفيلم الأصلي، والتي بعد 50 عاما أصبحت قابلة للتنبؤ بها. فيكتور فيلدينغ (ليزلي أودوم جونيور) هو أرمل ملحد، يبالغ في حماية ابنته أنجيلا (ليديا جيويت) البالغة من العمر 13 عاما، والتي تتوق إلى مساحة أكبر للتنفس. وهذه علاقة بسيطة بين أب وابنته كافية لرمي قصة مس شيطاني فيها، مسألة كيف أن أنجيلا تكبر بالسن وكأن ذلك هو الشيء الأكثر رعبا في العالم بالنسبة لفيكتور خاصة بعد وفاة والدتها.
تعيش كاثرين (أوليفيا أونيل) حياة محمية بالمثل من قبل والديها الكاثوليكيين المتدينين ميراندا وتوني (جينيفر نيتلز ونوربرت ليو بوتز). وبالطبع تشعر أنجيلا وكاثرين بالترابط لكونهما تعيشان مع أهالي يتدخلون بشكل كبير بحياتهما، وكان تمردهما المشترك هو ما دفعهما إلى التسلل إلى الغابة للاستكشاف ومحاولة الاتصال بعالم الأرواح، وهي وصفة مضمونة لحدوث شيء سيئ في فيلم رعب، حيث يؤدي ذلك إلى اختفاء الفتاتين لعدة أيام دون تفسير للمكان الذي كان من الممكن أن تذهبا إليه.
يأتي الكثير من قوة «The Exorcist» والسبب في أنه لا يزال ناجحا حتى اليوم من قوة المجهول والغموض فيه. ويقوم «Believer» بعمل أفضل بكثير باستغلال ما لا نراه في نصفه الأول، لاسيما في الفترة القصيرة التي يظل فيها اختفاء الفتاتين دون حل، ويبدأ غرين بداية قوية في بناء التوتر والرهبة. حيث إن العلاقة الوثيقة بين أنجيلا وفيكتور ساحرة، على الرغم من تشدد فيكتور الأبوي، والأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها حول مكان وجود أنجيلا تمنح أودوم العديد من الفرص لتجسيد قلق فيكتور المكبوت على الفور.
يقدم غرين بعض المشاهد المخيفة في هذه المراحل المبكرة حيث لاتزال الشخصيات الحقيقية للفتاتين ظاهرة وتؤثر على تصرفاتهما (يتم تجسيد قضم الأظافر بطريقة سيئة بشكل خاص هنا). ويتم تعزيز الرعب طوال الوقت من خلال التصوير السينمائي القوي وتصميم الصوت، والذي عندما يكون في أفضل حالاته يستحضر القمع السريالي لفيلم ويليام فريدكينز الأصلي، لكنه في الوقت نفسه لا يصل إلى نفس مستواه. يختفي الكثير من التوتر بمجرد عودة الفتاتين واضطرارهما لمحاربة شياطينهما الداخلية، أو بشكل أكثر دقة، شيطانهما الداخلي.
يخاطر «The Exorcist: Believer» بإدخال مفهوم المس المتزامن، وهي فكرة تعمل بشكل أفضل من الناحية النظرية منها في الممارسة العملية. إن وجود ضحيتين ممسوستين يفتح الباب أمام نقاشات حول كيف يمكن أن تعمل المعتقدات (أو عدمها) كمصدر للصراع والخلاص في ظل هذه الظروف الصعبة للغاية، وهي زاوية مثيرة للاهتمام من وجهة نظر موضوعية. لكن على الرغم من أن هذا قد يكون مصدرا لبعض الدراما المثيرة للاهتمام، إلا أنه لا ينطبق أبدا على أحداث الرعب في الفيلم، والتي تحتوي على الكثير من الخيال. ترتكب كل فتاة أعمال عنف، لكن أنجيلا وكاثرين تقضيان معظم الفصل الثاني منفصلتين بينما تستسلمان للكيانات الشيطانية. تبدو بعض نوبات الفتاتين مرتبطة بشكل خاص بما تفعله أو فعلته الفتاة الأخرى، لذلك فإن المس المشترك بينها يبدو تدريجيا بأنه ليس مشتركا بقدر ما انه يحدث بشكل متزامن فحسب.
يبدو «Believer» كأنه يحاول ترويج فكرة «المس المضاعف يعني متعة مضاعفة» لكنه لا ينجح بتنفيذها.
تقدم جيويت وأونيل أداء رائعا وحماسيا، لكن مع عدم وجود الكثير من الاختلاف والتمييز بين حالتيهما تصبح محنتهما كأنها واحدة ويصعب الشعور بالتعاطف نحوهما. ومما لا يساعد في ذلك أن «Believer» يختار نوعا ما الطفلة المفضلة لديه في وقت مبكر، حيث ان منظور عائلة فيلدينغ حول المس هو الأساس، في حين يبدو أن التركيز على كاثرين وعائلتها (لا لم يحصلوا على اسم عائلة) أقل أهمية بشكل مقصود. يبدو هذا كأنه خطأ في التقدير نظرا لمدى أهمية الارتباط بين حالتيهما. على عكس الفيلم الأصلي الذي يسلط الضوء بشكل مكثف على تراجع ريغان ويؤكد مدى تأثير ذلك على والدتها كريس، فإن شخصيتي أنجيلا وكاثرين تتعرضان للمسح على الفور تقريبا بسبب الكيان الصامت الذي يعذبهما. يؤدي ذلك إلى نقل الثقل العاطفي الكامل لخلاصهما إلى الوالدين بشكل أسرع من اللازم. وعلى الرغم من أن نيتلز وبوتز اللذين يلعبان دور ميراندا وتوني يقدمان أداء قويا بما يكفي لعدم جعل شخصيتيهما تبدوان متشددتين بشكل أعمى بمعتقداتهما، إلا أن هذا يعني أن كل خطأ في التقدير في إنقاذ الفتاتين يبدو موترا للأعصاب بشكل خاص.
وبالإضافة إلى إعادة تجسيد وإعادة استخدام بعض العناصر الأيقونية من فيلم «The Exorcist» الأصلي، فإن أهم عنصر يربط «Believer» بالقصة الأصلية هو ظهور شخصية كريس ماكنيل للممثلة إيلين بيرستين. لكن من المؤسف أن مشاركتها في هذه القصة لا لزوم لها. أصبحت كريس خبيرة في طرد الأرواح الشريرة بعد استحواذها على ريغان، وتقدم بيرستين ببراعة بعض التنبؤات بالهلاك قبل الفصل الثالث، لكن مشاهدها تبدو غير متوافقة مع القصة التي يتم سردها، وفي بعض الحالات تعيق بناء التوتر مع تفاقم حالة أنجيلا وكاثرين. يتم ذكر انفصال كريس عن ريغان بشكل مقتضب لتعقيد المساعدة التي تقدمها لفيكتور، ولكن مقارنة بالأب ميرين الواثق من نفسه الذي لعب دوره ماكس فون سيدو بالفيلم الأصلي، فإنها تبدو ضائعة قليلا.
ومع الفرصة الضائعة التي تمثلها عودة بريستين، يحتاج «Believer» إلى تحقيق الشيء الآخر الوحيد الذي يبرر نسبه إلى فيلم «Exorcist» الأصلي: ذروة طرد الأرواح الشريرة. ينتهي المطاف بالفصل الثالث ليكون بمنزلة صورة مصغرة للفيلم، حيث يقدم بعض الصور والأفكار القوية في بعض الأحيان، ولكن يتم تنفيذها دون تركيز كاف لجمعها معا. إن المجتمع هو جوهر قصة «Believer»، حيث يتم تحديد مستوى بقاء الفتيات على قيد الحياة من خلال استعداد أهاليهما لقبول الدعم من جميع الناس بأطيافهم المختلفة. إن علاقات فيكتور الجديدة والمتعمقة مع جيرانه تمنحه القوة وانفتاح العقل الذي يجسده أودوم بأداء متردد وحذر بشكل رائع. لكن في حين قد تكون مجموعة طرد الأرواح التي يساعد في تجميعها مؤلفة من أشخاص متنوعي المعتقدات، إلا أنه يتم تقديم الشخصيات الداعمة بشكل موجز جدا ولا يتم تطويرها جيدا في «Believer» لجعل وجودها أثناء طرد الأرواح الشريرة أمرا مرضيا، باستثناء جارة فيكتور آن، التي تحصل على قصة الشخصية الأكثر نجاحا بالفيلم إلى حد ما.
تجسد الممثلة آن دود شخصية آن والتي تتمتع بتاريخ معقد مع معتقداتها والتي تصبح أحد مصادر التوتر القليلة في الفصل الثالث، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى أداء دود الجميل والمرتكز على العاطفة.