كرّست الحرب الإسرائيلية بعد نيل "البركة" من الرئيس الأميركي جو بايدن، عبثيتها في التدمير الأعمى والقتل. لا هدف واضحاً سوى إلغاء مجموعة بشرية بكاملها من الوجود، وتهجير ما تبقى منها. كل ذكريات المحرقة النازية لم تمنع إسرائيل من اللجوء مرة جديدة إلى خيارات الإبادة والترانسفير ودوس الشعارات التي يرفعُها العالم الغربي ويمارس عكسها. أما السعي لتدمير حماس عسكرياً، فهو غير ممكن عملياً من دون إبادة سكان قطاع غزة، وهذا ما تسعى إليه آلة التدمير الإسرائيلية.
أما على الحدود اللبنانية الجنوبية، فيبدو أن "حرب الإستنزاف" المكررة لبنانياً، باتت في حكم الواقع. استهداف يومي مُتبادل للمراكز العسكرية، مع تحديد الرقعة الجغرافية للإشتباك على الجانبين، أما تجاوزها فدونه حسابات كثيرة ومخاطر أكبر، خاصة إذا أخطأت إسرائيل في حساباتها. كما أن "حرب الإستنزاف" هذه باتت تشمل أفرقاء متعددين إلى جانب حزب الله، فعدا القوى الفلسطينية انضمت "قوات الفجر" أي الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، إلى لائحة القوى الفاعلة في هذه الحرب.
وعلى خط مواز، يعمل ما تبقى من هيكل الدولة على السعي لإبعاد لبنان عن الكأس المرة، سواء في الدبلوماسية، أم تعبيراً عن العجز البنيوي لدولة مفككة قامت أساساً على الضعف في مواجهة جارٍ يمتلك كل مقدرات القوة.
وفي السياق الدبلوماسي، لفتت اليوم زيارة السفيرة الأميركية دوروثي شيا للرئيس العماد ميشال عون، تمحورت حول كيفية إبعاد لبنان عن مجريات الحرب في غزة. أما ميدانياً، فكانت السفارة الأميركية في عوكر أمس محوراً لحركات احتجاجية خرجت عن سلميتها لتستهدف ممتلكات المواطنين وأرزاقهم. وقد لفت في هذا الإطار المعلومات من مصادر أمنية عن هوية التجمعات في هذه الإحتجاجات وهي بغالبها فلسطينية من مخيمات بيروت، كما كشف عن ذلك tayyar.org في تقريرٍ خاص سابق.
وبعيداً من الحرب، تكرِّس الأمطار الأولى في كل خريف عجز الدولة الفاضح، لا بل اهتراء وزاراتها وإداراتها، مع الطوفانات التي اجتاحت اليوم طرق بيروت وجسورها لا بل حتى معرض الكتاب في "الفوروم دو بيروت". إنها الصورة الأفضل لسقوط ما يسمى ب"دولة" وفشل نخبتها السياسية في الحد الأدنى من إدارة شؤون المواطن.