في اعتداء أقل ما يقال فيه أنه غاشم، ويسجل كجريمة حرب، أقدم العدو الاسرائيلي أمس الأول على قصف المستشفى “المعمداني” في غزة وحصد اكثر من 500 فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال. وفي تحدّ جديد للقوانين الدولية، اعتدى الاحتلال الصهيوني على مركز طبي ديني تابع لكنيسة عمرها اكبر من عمر هذا الكيان المعتدي.
والجدير ذكره انها المرة الثانية التي يعتدي فيها العدو الإسرائيلي على مستشفى “المعمداني” خلال يومين. اذ سبقت غارة 17 تشرين الأول، غارة أخرى يوم الاحد في 15 الجاري، أصيب من جرائها 4 اشخاص من الكادر الطبي ودُمِّرت بعض اقسامه.
أنشئ المستشفى عام 1882 على يد البعثة التبشيرية الإنجيلية التابعة للمملكة المتحدة، في حي الزيتون جنوب غزة. ويتألف من احد عشر قسماً هي: الطوارئ، الجراحة العامة، جراحة العظم، الولادة، الصيدلة، العلاجات الطبيعية، علاج الحروق، المختبر، الاشعة والتصوير، والعيادات الخارجية. وهو يؤمن الخدمات الطبية على مدار الأسبوع.
الى ذلك، يظهر البحث عن تاريخ المستشفى المعمداني انها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها هذا الصرح الطبي الى اعتداء.
فقد تعرض ابان الحرب العالمية الاولى للتدمير والسرقة والنهب، ليعاد بناؤه في العام 1919ويطلق عليه اسم “المستشفى الأهلي العربي”. وبعد انتهاء الانتداب البريطاني لفلسطين، قررت البعثة التبشيرية الإنجيلية التابعة لبريطانيا اقفاله فتكفلت البعثة المعمدانية بالمستشفى وانتقلت إدارته إليها، وكانت غزة كنسياً في ذلك الوقت تابعة لمصر. وقد وقع خلاف على ملكية المستشفى في الفترة الممتدة بين نهاية الاربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، عندما قررت مصر الغاء قانون الوقف الاهلي في غزة.
اما في العام 1976، فقد قامت وكالة الأونروا بوقف المساعدات عن مستشفى المعمداني ومدرسة التمريض التابعة له ما انعكس تراجعاً في عدد الطاقم الطبي كما المواطنين المستفيدين من الخدمات الصحية. وفي نهاية السبعينيات عادت ملكية المستشفى لأبرشية القدس الأسقفية. وعملت الجمعية المتحدة الفلسطينية المتواجدة في الولايات المتحدة الاميركية على تمويله ليستمر بالعمل واستقبال المرضى. ومنذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى في كانون الاول 1987 وصولاً الى طوفان الأقصى لا يزال مستشفى المعمداني يستقبل جرحى الحرب والشهداء.
وفي سياق متصل، قال رئيس اساقفة سبسطية للروم الأورثوذكس المطران عطالله حنا لـ “” ان “المستشفى الاهلي في غزة مؤسسة تابعة للكنيسة الإنجيلية في فلسطين والتي يرأسها سيادة المطران حسام نعوم ومقره في القدس”.
أضاف: “هذه المؤسسة المسيحية في غزة عمرها اكثر من مئة عام وتقدم خدماتها لشعبنا الفلسطيني كله، وهي موجودة في مكان قريب من كنائس غزة، من الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة اللاتينية”.
وتعليقاً على قصف العدو الاسرائيلي للمستشفى الميداني في غزة، اكد المطران حنا ان “قصف هذا المستشفى وتدميره وقتل من كانوا فيه، وتدمير الكنيسة الموجودة في داخله، انما هو جريمة حرب بكل ما تعنيه الكلمة من معاني. انه استهداف لمكان يقدم خدمات لشعبنا خاصة في ظل هذا العدوان المستمر والمتواصل”.
وختم المطران حنا كلامه متمنياً ان “يتوقف هذا العدوان ويزول الاحتلال، وان ينعم الشعب الفلسطيني بالحرية التي يستحقها والتي في سبيلها قدم وما زال يقدم التضحيات الجسام”.
اذاً، فيما يستمر العدو الاسرائيلي في ارتكاب الجرائم الواحدة تلو الاخرى بحق فلسطين وشعبها ومقدساتها المسيحية والاسلامية وسط غياب الضمير العالمي، يمكن الجزم بأن “طوفان الاقصى” اعاد القضية الفلسطينية الى صلب اهتمامات الشعوب العربية بعد ان كان بعضهم قد اضاع البوصلة. فهي ليست قضية شعب وأرض فقط بل قضية حق ستنتهي بنصر قريب.