هي محرقة مستمرة من دون أفق... كلّ المؤشرات تعكسُ استمرار إسرائيل في الإبادة الجماعية لغزة، التي تبقى من دون نصيرٍ أو معين. فالغرب الذي لطالما رفع شعار "حقوق الإنسان" والحريات والعدالة لاستغلالها سياسياً، لم تهزّ مجتمعاته ودوله إحدى أكبر المجازر وأبشعها في التاريخ، والتي تتجاوز كل مواثيق الحرب وأعرافها. الأسوأ، أن رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن، أكَّد تبرير المجزرة وتبرئة إسرائيل من دماء الأطفال، محيلاً المسؤولية إلى طرف ثالث، لا بل أكد سياسة الإنجراف في دعم إسرائيل، مع كل مجازرها وعدوانيتها.
والغضب الذي اشتعل في تظاهراتٍ لفّت العالم العربي وندّدت بالولايات المتحدة والدول الغربية وسياسات الإنحياز لإسرائيل، ليسَ كافياً لتعديلِ مجريات الميدان. ذلك أنَّ إسرائيل تستمرّ في عدوانها على كل المستويات، محوّلةً غزة إلى أرض محروقة وأهلها إلى وقودٍ للمجازر، وتستمر بتلقي الدعم على كل المستويات من الدول الغربية كافة، فيما الإرتباك يسود الدول العربية.
وفي السياق نفسه، تلقت إسرائيل تفهماً ودعماً من بايدن خلال لقائه اليوم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بعدما تم إلغاء القمة الرباعية التي كان من المفترض أن يشارك فيها الرئيس الأميركي في عمان. وقد أكد بايدن على الصعيد العسكري أن بلاده ستتأكد من أن "إسرائيل لديها كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها". أما مصر التي حل فيها المستشار الألماني أولاف شولتس، فواصلت رفضها القاطع لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ملمحة إلى أن تنفيذ هذا الأمر سيؤدي إلى حرب.
ومن جهة مواقف "محور المقاومة"، كان لوزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان زيارة إلى الكويت التقى خلاله نظيره، وأكد أن "المقاومة في المنطقة مستقلة ولا يمكن لأحد أن يضمن بقاء الظروف على هذا الشكل".
وفي لبنان، رد حزب الله فجراً باستهداف إحدى المدرعات الإسرائيلية وأصاب أفراد طاقمها. وعلى صعيد الخطوات الميدانية، تواصلت الإعتصامات والتحركات الشعبية الداعمة لغزة والمنددة بمجزرة المعمداني، ومن بينها اعتصام في حارة حريك شارك فيه رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيد هاشم صفي الدين وأكد خلاله أن هذا العصر هو "ليس كالماضي بل عصر المقاومات في المنطقة"، مشدداً على أن مشروع "إخراج أهل غزة لن يمر". ومن جهته، شارك رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في الوقفة التضامنية أمام وزارة الصحة استنكاراً وادانة للمجزرة.
وفي موازاة التحركات الشعبية، ردود فعل سياسية طالبت بإحالة المجزرة على تحقيق دولي لمعاقبة مرتكبيها. وفي طليعة هذه الردود لبنانياً كان التيار الوطني الحر الذي شدَّد على مبدأ الحق والعقاب على لسان رئيسه ونوابه وكوادره، في الوقت الذي ردَّ فيه بحزم عبر بيان هيئته السياسية على تصريحات قيادات من "حماس"، طالباً إياها التوقف عن منح النصائح انطلاقاً من "حق أن يحمي إستقراره وأمنه بما يراه مناسباً"، ومن كونه "في الموقف لم يقصّر مع القضية الفلسطينية"، وكذلك "في المواجهة".