صحيح ان القطاع الاستشفائي عانى من اضطرابات ومطبات وصعوبات كثيرة بسبب الفراغ السياسي والازمة الاقتصادية، التي تعتبر واحدة من أسوأ الازمات في العالم، كما ان معظم مؤسسات الدولة الخدمية والبنية التحتية الحيوية أصبحت شبه معطلة، وكل ذلك بسبب تقاتل اللاعبين السياسيين بهدف الوصول الى الموارد الرئيسية، ضاربين عرض الحائط كل الاحداث السيئة التي مر بها اللبنانيون ولا يزالون، خاصة بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، الذي كان بمثابة جرس انذار لكي تقوم الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها، الا انها لم تتعلم من تلك الواقعة الأليمة، حتى انها لم تشكل خلية ازمة منذ ذلك الوقت.
إدارة الازمات تعني الاستعداد لما قد يحدث مع ما حدث، من اجل تحليل الازمة والعمل على الخروج منها بأقل الخسائر، وتأخير الازمة اللاحقة ان تعذر تعطيلها او التخفيف من شدتها، والدولة اللبنانية ماضية في تعقيد الأمور، ومستمرة بسياسة التطنيش واللامبالاة.
وفي سياق متصل، يرى المعنيون بالوضع الصحي من نقابات الأطباء، والطاقم الاستشفائي وشركات الادوية والمستلزمات الطبية، ان المستشفيات استعادت بعضا من عافيتها وجهوزيتها ومتأهبة لاستقبال الجرحى والمصابين في حال اشتعلت الجبهة الجنوبية. وتجدر الإشارة الى ان المستشفيات الحكومية على وجه التحديد وعددها حوالى 32، تعاني من نقص في المستلزمات الطبية الأساسية مثل، الشاش والسيروم والأدوية الضرورية.
وفي هذا الخصوص، قال النائب عن مدينة صيدا الدكتور عبد الرحمن البزري لـ “الديار” ان “القطاع الاستشفائي تأثر سلبا نتيجة لموجة كورونا وانهيار العملة المحلية والوضع الاقتصادي والسياسي، وما تبعه من تداعيات اقتصادية ومعيشية، الا ان العديد من المستشفيات عادت وتمكنت من اصلاح واقعها المالي بشكل كبير، وعدد من الأطباء اللبنانيين الذين هاجروا بدأوا بالعودة بشكل تدريجي، ولو ان النسبة الأكبر من هؤلاء لم يرجعوا، الا ان هناك مؤشرات تدلّ على عودتهم”. واكد “ان هذا القطاع بحاجة الى عملية تقييم، ويجب ان تجري بالاتفاق ما بين وزارة الصحة والصليب الأحمر الدولي وأطباء بلا حدود وغيرهم من المؤسسات الدولية المعنية بهذا الملف، لدراسة استعدادات القطاع الصحي عموما في حال حدوث أي طارئ وتطور الوضع الأمني والعسكري ليصل الى الساحة اللبنانية”.
وتابع البزري مطمئنا المواطنين قائلا: “ان القطاع الصحي والاستشفائي اللبناني قادر على التعامل مع هذا الملف، خصوصا وان الطاقات البشرية اللبنانية متوافرة، وهناك الكثير من المؤسسات الاهلية تمتلك عناصر شابة وراغبة في التطوع والاسعاف، وقادرة على التعامل مع هذه القضية في حال وقعت الحرب”. وسأل: “ما هو واقع الدفاع المدني والاطفاء اللبناني والخدمات الاسعافية الأخرى، التي ربما هي بحاجة الى تقييم من قبل وزارة الداخلية التي تقوم الان بهذه العملية التقديرية الى جانب وزارة الصحة”.
الفلسطينيون أصحاب حقّ
وأكد البزري “ان اللبنانيين بمعظم اطيافهم يؤمنون بالقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، ويقفون خلف الفلسطينيين في عملية استردادهم لحقوقهم السياسية والعودة الى أراضيهم ومدنهم التي هجروا عنها”. اضاف: “من مسؤولية الدولة اللبنانية ومؤسساتها، رغم تضعضع الأوضاع فيها وتراجع امكانياتها والانهيار شبه الكامل في العديد من اداراتها، القيام بما يلزم استباقيا، بإجراء المسح الميداني الحقيقي للتأكد أولا من الإمكانيات المتوافرة، سواء أكانت صحيا ام اسعافيا ام ايوائيا في حال حدث ما ليس بالحسبان، وأدى الى نزوح أهالي بعض البلدات الى مناطق أخرى بسبب ظروف امنية وعسكرية”.
واكد “ان من واجب الدولة اللبنانية القيام بما يلزم ديبلوماسيا سواء مع الاشقاء العرب او مع الدول الصديقة او مع الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية، للتأكيد على حق لبنان في الدفاع عن ارضه، ومنع العدو الصهيوني واداته في حال تعرض للأراضي اللبنانية او لأي نقطة من تلك المنطقة وفي أي مساحة من تلك المساحات”. وقال: “ان حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان حتى اللحظة يتصرفون ضمن ما يسمى قواعد الاشتباك، ونتمنى من جميع العناصر المتواجدة على الأراضي اللبنانية، سواء كانت في المقاومة الإسلامية ام في بعض المنظمات الفلسطينية الالتزام بقواعد الاشتباك هذه”.
وأردف: “حزب الله اظهر قدرة جيدة على الردع وإيجاد توازن مانع حقيقي مع العدو، وبالتالي فإن أي تصعيد عسكري من قبل الاحتلال الإسرائيلي سوف يكون له حسابات كثيرة وتداعيات كبيرة. ومن هنا يجب ان يكون هنالك تنسيق ما بين الدولة اللبنانية والمقاومة الإسلامية في لبنان أي حزب الله، من اجل ضبط الوضع على الحدود والحفاظ على قدرة الصدّ، وتذكير العدو الصهيوني بأن لبنان يملك قدرات وازعة ، وان اللبنانيين جميعهم متضامنون خلف القضية الفلسطينية وحق الشعب باسترداد حقوقه وارضه والدفاع عن نفسه ومقاومة الاحتلال”. وشدد على “ان من حق اللبنانيين الدفاع عن ارضهم بشتّى الوسائل المتوافرة، وبالتالي فإن هذا الثبات القائم في لبنان يجب التنسيق بينه وبين السلطات اللبنانية ليبقى الوضع هادئا، لكن مع جهوزية عالية في عملية الرد على اختراقات العدو”.
المعضلة في التمويل!
وفي شأن متصل، قال النائب السابق عاصم عراجي لـ “الديار” انه “إذا حدث اعتداء إسرائيلي على لبنان، فيوجد لدينا حوالي 150 مستشفىً حكوميا وخاصاً”، لافتا الى “إن الوضع الصحي ليس بخير ابدا نتيجة نقص التمويل من قبل المؤسسات الضامنة بسبب الازمة الاقتصادية”. واعتبر “ان هذا القطاع ضاغط على البلد ليس بسبب نقص التجهيزات والأدوية، التي باتت تستورد في الوقت الحاضر من حوالى 25 الى 30 دولة، وانما المشكلة هي في تأمين السيولة للمستشفيات”، مؤكدا “ان الأطباء المتواجدين يستطيعون القيام بالواجب وأكثر على غرار ما حدث وقت انفجار مرفأ بيروت، بحيث ان القطاع الصحي استقبل وقتذاك أكثر من 5000 جريح، وتمكنت المستشفيات من مواجهة الامر”.