معطيات ثلاثة تتحكم بمسار العدوان الاسرائيلي الغاشم على غزة.
المعطى الأول، الصمود الاسطوري لشعبها وللمقاومة الفلسطينية التي ما تزال بعد عشرة أيام من القصف الوحشي تمتلك زمام المبادرة في شن الهجمات على العدو وإطلاق الصواريخ وإصابة الأهداف، مقابل فشل ذريع لجيش الاحتلال المطلوب منه تحقيق إنجاز بسيط يحفظ فيه ماء الوجه لكنه ما يزال عاجزا عن ذلك، وخائف في الوقت نفسه من الاجتياح البري لما يمكن أن يكبده من خسائر إضافية، وهو أعلن تأجيله بسبب الطقس.
المعطى الثاني، زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الى المنطقة والجولة التي قام بها على قيادات بعض الدول للبحث في ما آلت إليه أوضاع غزة، وقد بدا واضحا أن الموقف التصعيدي الذي جاء فيه قد بدأ يأخذ طريقه نحو التراجع بعدما سمع كلاما واضحا يجسد وقوف الدول العربية الأساسية ومعها دول الاقليم ضد العدوان الصهيوني على غزة.
المعطى الثالث، هو جولة وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان الذي زار لبنان وسوريا، و”حمل صاروخا في يد، وغصن زيتون في اليد الأخرى”، حيث أكد أن إيران تسعى الى التهدئة ولا تريد إنزلاق الأمور نحو حرب مفتوحة، لكنه في الوقت نفسه أكد أن دخول أطرافا أخرى في الحرب وفتح جبهات محور المقاومة وخصوصا حزب الله سينتج زلزالا ضد الكيان الاسرائيلي، مؤكدا أن الوقت ليس في صالح أحد فربما بعد ذلك نجد أننا قد تأخرنا.
لا شك في أن صمود غزة ومقاومتها كان السبب الأساسي لتبدل كل المواقف، حيث تسابق الرؤساء والأمراء العرب في اليوم الرابع على العدوان الى التأكيد على ضرورة وقف إطلاق النار، وفتح ممرات آمنة الى غزة، والبدء بالمفاوضات حول الأسرى لدى حماس وعملية التبادل المتعلقة بهم.
ويبدو واضحا أن وزير الخارجية الأميركية بلينكن، قد سمع خلال جولته العربية كلاما صريحا بأن لا مصلحة لأي طرف من الأطراف إستمرار هذه الحرب ولا بد من وقف إطلاق النار بشكل فوري وفك الحصار عن غزة، مع التشديد على ضرورة أن ينسى الاسرائيليون كل ما يتعلق بإمكانية تهجير الغزاويين أو الاستمرار في المحاولات الرامية الى ذلك.
يعود الوزير بلينكن الى فلسطين المحتلة اليوم خالي الوفاض، لا يمتلك سوى خيارين فإما حرب إقليمية غير محسومة ومحسوبة النتائج، أو الاستماع الى النصائح العربية والتحذيرات الاقليمية بالتفاوض، وهو يأخذ بعين الاعتبار صعوبة الخيارين، خصوصا أن صديقه نتنياهو بدأ يواجه أزمة داخلية جديدة تتعلق بالتحركات الاحتجاجية المطالبة بإسقاطه وبإستعادة الأسرى والحفاظ على حياتهم، والأهم من كل ذلك، هو تراجع شعبيته بشكل كبير، كما يأخذ بعين الاعتبار مصالح رئيسه جو بايدن الذي يستعد لمعركة إنتخابية في مواجهة الحزب الجمهوري وممثله الرئيس السابق دونالد ترامب، فضلا عن المخاوف من العملية البرية التي لا أفق لها، وقد تشهد الكثير من المفاجآت، خصوصا أن من أعد عملية طوفان الأقصى، من المؤكد أنه أخذ بعين الاعتبار الاستعداد الجدي لمثل هكذا عمليات برية، علما أن كثيرا من الصواريخ التي تطلقها حماس لا تعترضها صواريخ الباتريوت.
وفي نفس الاطار، جاء التصعيد الذي شهده الجنوب من المقاومة الاسلامية في لبنان التي شنت هجمات على مواقع إسرائيلية وإستهدفت كل التجهيزات الفنية وكاميرات المراقبة التي ثبتها العدو على الحدود، ردا على إستهداف الصحافيين في علما الشعب وإستشهاد الزميل عصام عبدالله، لتؤكد بأن المقاومة على الحدود تتمتع بجهوزية كاملة وهي بالرغم من إلتزامها بقواعد الاشتباك فإنها تحقق الكثير من الأهداف، فكيف إذا دخلت الحرب التي تقلق حكومة إسرائيل التي أكدت في بيان لها أنها لا تريد التصعيد مع لبنان.
ربما للمرة الأولى تجد أميركا نفسها عاجزة عن تنظيم وضع إسرائيل، وعن عدم إقناع العرب بوجهة نظرها، حيث تلقى معارضة شرسة من السعودية ومصر وتركيا وقطر والعراق والأردن التي يقوم ملكها عبدالله الثاني بجولة أوروبية تهدف الى إقناع الأوروبيين بضرورة وقف العدوان على غزة، كما تضعها إيران أمام خياريّ السلم أو الحرب، لذلك فهي مضطرة الى مراجعة موقفها وتحميل الاسرائيلي مسؤولية عدم تحقيق أي إنجاز يخفف عنه غضب الداخل، وبالتالي إقناعه بالدخول الى العملية التفاوضية ضمن الشروط العربية والاقليمية.