حتى وقت قريب جدّاً، ظنّ البعض في لبنان والخارج أنّ الطائفة السنّية في لبنان لم تعد، لأسباب مختلفة، تهتم بالقضية الفلسطينية، وبأنّها “تلبننت”، وبالتالي فإنّ الطائفة التي كانت وما تزال تعتبر نفسها “الأمّة” وليس مجرد طائفة، قد شهدت تحوّلاً جذرياً أسهم في إبعادها عن الإهتمام بقضايا الأمّة، وعلى رأسها قضية فلسطين.
أسباب هذا الظنّ كثيرة، ولها جذور تاريخية. فالطّائفة السنّية كانت في واجهة من رفض تأسيس الكيان اللبناني في العام 1920، عندما أعلن المفوض السّامي الفرنسي الجنرال غورو في ذلك العام تأسيس “دولة لبنان الكبير” وفصله عن محيطه، من غير إستشارة أو أخذ رأي وموافقة أبناء المناطق التي ألحقوها بالكيان الوليد، أيّ الأقضية الأربعة ومدن الساحل، ما جعل أصابع الإتهام توجّه في كلّ مناسبة إلى الطائفة السنّية، من قبل البعض، بأنّها ليست مؤمنة بهذا الكيان، وأنّ إنتماءها الوطني ضعيف ومشكوك فيه.
وبعد نيل لبنان إستقلاله عن فرنسا عام 1943، كانت الطّائفة السنّية في مقدمة من وقف داعماً القضايا العربية، وأبرزها طبعاً القضية الفلسطينية، وتحديداً بعد نكبة عام 1948 وفي أعقاب نكسة 1967، حيث كانت المناطق والمدن السنّية، أكثر من سواها، حاضنة لآلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين تهجّروا من فلسطين، وكان الفلسطينيون سنداً رئيسياً لهذه الطائفة وحلفائها إبّان الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، إلى درجة أنّ البعض قد أطلق على المسلحين الفلسطينيين وصف “جيش السنّة” في لبنان.
التحوّل الرئيسي الذي جعل الطّائفة السنّية تخلع، مؤقتاً، ثوب الإهتمام بالقضايا العربية وتحديداً القضية الفلسطينية، كان اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، عندما قام كثيرون في الداخل والخارج باستغلال ما حصل لدفع السنّة بعيداً عن إنتمائهم وعن قضايا أمتهم.
لكن تبين خلال هذين العقدين من الزمن بأنّ “غسل” دماغ الطّائفة السنّية هو مجرد حدث عابر، وهو ما أظهرته بوضوح تداعيات عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأوّل الجاري، لمّا تفاعل الشّارع السنّي كما لم يتفاعل من قبل مع القضية الفلسطينية، وأظهر تعاطفاً ظنّ البعض أنّه مات أو ضَعُف بفعل عوامل الزمن، و”الشّغل” الذي لم يتوقف طيلة العقدين الماضيين على نقل هذا الشّارع إلى المقلب الآخر، لكنّ إنفجار هذا الشّارع تعاطفاً ودعماً وتأييداً للمقاومة الفلسطينية وقطاع غزّة في مواجهة العدوان الإسرائيلي كشف أنّ كلّ محاولات “تغريب” الشّارع السنّي قد ذهبت سدى.
فقد كانت الأيّام القليلة الماضية، وتحديداً منذ بدء عملية طوفان الأقصى فجر يوم السّبت في 7 تشرين الأوّل الجاري، كفيلة بتصويب “بوصلة” مزاج الطّائفة السنّية نحو القضية الفلسطينية، وأكّدت بأنّ ثوابت هذه الطائفة لم تتبدل ولم تتغيّر، وبأنّ التحوّلات الطارئة ليست إلّا غيوماً عابرة.