هكذا هي الخطة:ردع إيران وإبادة غزة (عمر قدور)
2023-10-14 06:44:04
قررت لندن إرسال قوات إلى المتوسط بعدما سبقتها واشنطن بإرسال حاملتَي طائرات، بالإضافة إلى الجسر الجوي الذي ينقل أسلحة وذخائر إلى تل أبيب. كل هذا من أجل الحرب على حماس؟ أو على غزة؟
في الحد الأدنى سيبدو الغرب مبالِغاً جداً برد فعله، فيما إذا أجبنا على السؤال السابق بـ"نعم". لكننا نخطئ أيضاً إذا اعتبرنا وجود هذه القوات الغربية مجرد استعراض إعلامي، يُراد به تضخيم خطر حماس أمام الرأي العام الغربي والعالمي، والبناء على سابقة إنشاء تحالف دولي للحرب على داعش، خاصة أن مسؤولين أمريكيين شبّهوا حماس بداعش.
ولعل المفارقة الماثلة "ظاهرياً فقط" تتعزز بالتصريحات الأمريكية التي نفت سريعاً وجود معلومات عن ضلوع طهران في اتخاذ قرار عملية "طوفان الأقصى"، ليأتي في السياق ذاته قبل يومين إعلان الجيش الأمريكي عن عدم وجود تحركات قتالية لحزب الله، ما يعني في الحالتين أن العدو المستهدَف هو حماس بمفردها! أما فيما وراء النفي الأمريكي لضلوع إيران، وإبداء الرغبة في عدم توسيع رقعة الصراع، فهناك رسالة أمريكية لطهران مفادها عدم رغبة واشنطن في التصعيد، سواء كان هناك تنسيق بينها وبين حماس يخص العملية الأخيرة أو لم يكن، فالمهم وفق هذا التوجه أن تنأى طهران والحزب عن المعركة وإلا...
القوات الغربية مقبلة لردع إيران، كي لا تُفتح جبهة جنوب لبنان تحديداً، وبهذا تتفرغ إسرائيل تماماً لإبادة غزة. الرسالة هي: إما ابتعاد طهران عن المعركة الحالية أو الدخول في مواجهة إسرائيل المدعومة بالقوات الغربية. هذا لا يعني تلقائياً تصديق ما يروّجه حلف الممانعة عن قدرته على سحق إسرائيل في دقائق "أو أيام لا فرق"، وإن كان يشير إلى عدم جاهزية الجيش الإسرائيلي لحرب واسعة النطاق تُفرض عليه في توقيت ليس من اختياره.
والتهديد الغربي الذي يهدف إلى تحييد إيران عن المعركة ينطوي على معرفة وقبول غربيين بوحشيتها القصوى، وبوجود احتمال كبير أن تحرج وحشيةُ القوات الإسرائيلية حليفَ حماس الإيراني فتشتعل جبهة الجنوب على نحو غير مضبوط تماماً. أي أن القوات الغربية تساهم من الخلف في بقاء الوحشية الإسرائيلية بلا "آثار جانبية"، وهي مساهمة فعّالة لجهة كسر إرادة الفلسطينيين إذ يُبادون مرة أخرى وهم بمفردهم، من دون أي دعم حتى من النوع الذي لا يصل إلى الانخراط معهم في المعركة.
التأكيد مرة جديدة على أن الفلسطينيين وحدهم في المواجهة لا يتوخى كسر إرادة القتال لدى الفلسطينيين راهناً فحسب، بل على المدى البعيد أيضاً بما أن المحيط العربي أنهى الصراع الأشمل من قبل، ولم يبقَ في الإقليم من تعتاش دعايته عليه سوى محور الممانعة. وعندما يترك الأخير الفلسطينيين لمصيرهم "بخلاف دعايته" يكون قد برهن على نفاقه، ويكون من جانب آخر مهم قد سدد إلى حماس الطعنة المميتة أمام جمهورها الفلسطيني.
رغم ما ظهر من وحشية في الرد الإسرائيلي على "طوفان الأقصى" لم يصل الأمر بعد إلى الذروة التي يلوّح بها قادة تل أبيب؛ إنهم يتوعّدون جهاراً بإيقاع كارثة غير مسبوقة، وكلّما أوغلوا في التنفيذ تزايد الضغط المعنوي على محور الممانعة هذه المرة، لا على حكومات المنطقة التي طبّعت أو في سبيلها إلى التطبيع مع إسرائيل. لذا أتت أمس من بيروت تصريحات وزير الخارجية الإيراني كتوصيف لواقع الحال ليس إلا، فهو حذّر من أن فتح جبهات أخرى احتمال قائم في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، وقال في تصريح آخر: "المهم بالنسبة إلينا هو أمن لبنان والحفاظ على الهدوء فيه، وهذا هو هدف زيارتي". وكأنه بمجموع التصريحين يلاقي سياسة "الاحتواء" الغربية.
أما على صعيد ما يُدبَّر لغزة، فتتماهى التصريحات الغربية تماماً مع تصريحات قادة الحكومة الأكثر تطرفاً في تل أبيب، بما فيها تصريحات من فرنسا التي عُرفت تقليدياً بافتراق موقفها عن واشنطن ولندن. وتشبيه حماس بداعش لم يمنع تشبيهها بالنازية على خلفية القول أن "طوفان الأقصى" هو الأخطر بعد الهولوكست، رغم أن المحرقة اليهودية هي ابنة عنصرية غربية يُخشى اليوم من عودتها "ضد ضحايا غير يهود" مع نازيين جدد في العديد من البلدان. والمدهش، المثير للاشمئزاز على الأقل، ألّا يستنكر قادة في الغرب تصريح نتنياهو الذي توعّد الفلسطينيين بالإبادة بوصفهم حيوانات، ففي هذا التصريح تحديداً نطق نتنياهو بلسان هتلر الذي كان قد استخدم التعبير ذاته ضد خصومه، وفي مقدمهم اليهود، تمهيداً منه لإبادتهم.
اختزال ما يحدث بردع إيران، وبإشاحة الوجوه عن إبادة غزة، يغطّي بعلاقة حماس مع إيران على العديد من وجوده الكارثة الحالية، وهي كارثة وقعت بأفعال متعمدة، وليست محض كارثة إنسانية حسب الوصف الذي يستخدمه بعض الإعلام الغربي عندما يُضطر إلى الإشارة إليها. ونستطيع بسهولة، مثلما لا يعجز عن ذلك الغرب عندما يمتلك النيّة، رؤيةَ السياق الذي أوصل حماس إلى إيران، ومن قبله السياق الذي صعدت فيه حماس فلسطينياً بعد استنزاف إسرائيل رموز الاعتدال الفلسطيني، ثم مُنعت من المشاركة الديموقراطية في السلطة الفلسطينية ككل، بينما سُمح لها بإدارة سجن كبير هو غزة.
حتى تشبيه حماس بداعش قد يكتسب مصداقية مجازية فيما لو لوحظ معه أن حكومة نتنياهو الحالية تجمع تحالفاً عنصرياً ودينياً لا يقل تطرفاً عن داعش، ولو لوحظ أيضاً أن نتنياهو نفسه كان قبل ما يزيد عن خمس سنوات وراء إقرار الكنيست قانون يهودية الدولة الذي حوّل إسرائيل رسمياً إلى دولة فصل عنصري، إذ نصّ في بنده الأول على أنها "الوطن التاريخي للأمة اليهودية"، وعلى أن "لليهود فقط الحق في تقرير المصير". لا يتغاضى العالم عن كل ذلك، بل يمكن بسهولة استرجاع تصريح للرئيس الأمريكي في الأيام الأخيرة الذي يؤكد على الدفاع عن "الدولة اليهودية الديموقراطية"!
يهدف ردع طهران إلى إفهامها أنّ لحجمها الإقليمي خطوطاً حمراء لا يُسمح بتخطيها، أما الإبادة في غزة فهي استكمال لسياقٍ معظمه غير متصل بالنفوذ الإيراني. وحتى إذا استخدمت طهران غزة كصندوق رسائل فإن ممارسات إسرائيل تجاه القطاع هي المسؤولة عن إتاحة هذه الفرصة أمامها، ويكفي للتذكير أن نشير إلى مقولة سابقة على تأسيس حماس تُنسب لشامير تارة ولرابين تارة، يتمنى صاحبها أن ينام ويفيق فيرى غزة قد ابتلعها البحر. في الواقع لا يفعل الغرب سوى مساعدة نتنياهو على تحقيق تلك الأمنية، وهو بذلك لا يكيل بمكيالين حسب مقولة شائعة لخطاب الممانعة إياه، الأسوأ أنه يكيل بالمكيال ذاته، فمن تخاذل للتو أمام الإبادة التي ارتكبها الأسد لن يغصّ بجرائم نتنياهو.
وكالات