تتوجّه الأنظار بعد ظهر اليوم، الجمعة، إلى السّاحات والشّوارع لمعرفة حجم التفاعل والتضامن مع عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية يوم السّبت الماضي، في 7 تشرين الأوّل الجاري، بعد التعاطف الكبير الذي لقيته العملية في الشّارعين العربي والاسلامي، التي اعتبرت إنجازاً غير مسبوقٍ في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي منذ نصف قرن، واستطاعت كسر الوهم الذي زُرع في عقول وشعوب المنطقة عن أنّ الجيش الإسرائيلي لا يُقهر، وأنّ العين لا يمكنها أن تقاوم المخرز.
لكنّ ما حصل صبيحة يوم 7 تشرين الأوّل، الذي صودف فيه الإحتفاء بمرور ذكرى 50 عاماً على حرب تشرين التحريرية عام 1973، كان أشبه بـ”الحلم” بالنسبة للسّواد الأعظم من شعوب المنطقة، التي لم يكن أشدّ المتفائلين فيها يتوقع حصول ما حصل، إلى درجة اعتبر فيها كثيرون أنّه لو توقع أحد قبل حصول العملية هذا السيناريو الذي رافقها لكان اعتبر حالماً وغير واقعي … ومجنوناً.
فبعدما إعتادت شعوب المنطقة على تلقي الهزائم من جيش العدو الصهيوني على مدى عقود طويلة، من نكبة 1948 إلى نكسة 1967 إلى إجتياح لبنان 1982 وحروب قادتها الولايات المتحدة وحلفائها لتدمير دول المنطقة، من العراق إلى سوريا وليبيا واليمن، جاءت عملية طوفان الأقصى لتبعث الروح مجدّداً في شعوب المنطقة، وترسم لها بارقة أمل تجعلها تتيقن أنّ بالإمكان كسر طوق الإحتلال وهزيمته، عندما تتوافر العوامل اللازمة لذلك، من إرادة ووعي وتخطيط وتحضير، وهي عوامل من شأنها أن تقلب الأمور رأساً على عقب.
وإذا كانت صور ومشاهد تحرير الجنوب اللبناني عام 2000 وانتصار المقاومة على العدو الصهيوني في عدوان تموز 2006، وانتفاضات الداخل الفلسطيني التي لم تتوقف في يوم من الأيّام، ما تزال حاضرة في الأذهان والعقول والنفوس، وكانت تعطي أملاً بالتفوّق يوماً على العدو وقهره وتحرير الأرض والمقدسات منه، فإنّ ما حصل في 7 تشرين الأول فاق كلّ التوقعات، وكسر كلّ الصور النمطية عن قوة جيش العدو التي قيل إنّها لا تقهر.
فطيلة سنوات الصّراع مع العدو الصهيوني، تقريباً، كانت الصّور والمشاهد تصبّ في اتجاه واحد. العدو هو من يَقصف ويَقتل ويُدمِر ويُهجِّر ويَحتّل .. ويَنتصر، بينما بالجهة الأخرى كان الفلسطينيون والعرب هم من يُقصف ويُقتل ويُهجّر وتُحتلُ أرضه ويُهزم، إلى أن تغيّرت هذه الصورة النمطية وانقلبت رأساً على عقب على أيدي قلّة من المقاومين كان أغلى ما يملكون وأقواه في مواجهة العدو هو إيمانهم بعدالة قضيتهم، وبذلهم الغالي والنفيس في سبيلها، وإرادتهم وتخطيطهم وصمودهم وصبرهم .. وهو ما تحقق بعد سنوات عجاف.
هذا الإنتقال من التسليم بالهزيمة إلى اليقين بالإنتصار يُنتظر له أن يُترجم على أرض الواقع اليوم، وتحديداً بعد صلاة الجمعة، الذي اعتبر يوماً للغضب الشّعبي في كلّ الدول العربية والإسلامية، وإسناداً للمقاومة في فلسطين، لمعرفة المدى الذي سيصله “طوفان الأقصى”، والآثار التي سيتركها على كلّ الصّعد في السّنوات المقبلة.