مع تصاعد عداد "حرب تشرين" الفلسطينية، تتكرس آلياتها وديناميكياتها، في شكلٍ تصبح فيه أقرب إلى سيناريو "حرب تموز" مع بعض التغيرات. ذلك أن إسرائيل تواصل السيناريو المفضل لديها في استهداف المدنيين انتقاماً وسعياً لإركاع شعب لم يركع بعد منذ ١٩٤٨، فيما مخزون الفصائل المقاومة لم ينفد بعد من الصواريخ التي تطال كل المدن الإسرائيلية، ومنها الثقيلة والبعيدة المدى التي تلوح "كتائب القسام" بها.
على أنَّ التغير لوقف الحرب يتطلب تحولات لم تحدث بعد. وهذه غالباً ما تصل بعد أحداثٍ عنيفة تستهدف المدنيين ودمار كبير تدفع الدول الغربية والولايات المتحدة للتدخل، كما في حرب نيسان ١٩٩٦ و٢٠٠٦ وحروب غزة المتتالية. فالغرب الذي يخترع سرديات دعائية لمصلحة إسرائيل موجهاً الإعلام لتحميل المسؤولية للفلسطينيين كما دائماً، لن يستفيق سياسياً من غيبوبة ضميره ومصالحه إلا بعد وصول الحرب إلى ذروتها، وهذا ما لم يتحقق من زاوية القرار الغربي.
ميدانياً استمر التلاعب بأعصاب الإسرائيليين في شمال فلسطين، مع الأنباء عن دخول مسيرة قادمة من جنوب لبنان، ما استدعى تفعيل نظام "الباتريوت"، ومواصلة الردود الإسرائيلية الموضعية.
أما في غزة فاستمرت الغارات بموازاة استهداف المدن الإسرائيلية ولا سيما عسقلان وتل أبيب بالصواريخ. وقد أكد الناطق باسم "القسام" أبو عبيدة استمرار عمليات "طوفان الأقصى"، كاشفاً عن بعض أوجه التخطيط والتنفيذ للهجوم في بداياته.
لكن رسائل إسرائيل العسكرية عادت لتطاول سوريا، مع استهداف مطاري دمشق وحلب بالتزامن مع وصول وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان الذي يبدأ جولة ذات دلالات غداً للبنان. غير أن الرسالة لم تصل الى هدفها بمنع وصول عبد اللهيان، مع نفي خبر "سبوتنيك" عن تغيير طائرة عبداللهيان وجهتها نحو طهران مجدداً.
في هذا الوقت، تجلى العجز اللبناني الرسمي بأبهى حلله في جلسة باهتة لحكومة تصريف الأعمال، تعكس واقع "الدولة الصامتة" عن لا الفعل بل حتى عن المواقف المبادِرة. فلم تخرج الجلسة عن المواقف التضامنية البديهية، في الوقت الذي يمتلك فيه لبنان كل الطاقات لقيادة دور دبلوماسي وعربي واقليمي فاعل داعم للقضية الفلسطينية في موازاة حفظ مصالح لبنان. وفي ما خص النزوح كان لافتاً اعلان ميقاتي عن زيارة وزير الخارجية لدمشق في ملف النزوح، في ما بدا استجداءً ل"تفهم" دور هو أكثر من طبيعي وتأخر عن وقته!