أي موقف ستتخذه الحكومة اللبنانية، حكومة تصريف الاعمال، اليوم في الجلسة الطارئة لمجلس الوزراء، هذا اذا عقدت الجلسة واستجاب الوزراء المقاطعون عادة لنداء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالحضور نظرا لجسامة الاخطار والتحديات التي يواجهها لبنان امام اهوال الحرب الدائرة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة والتي بدأت تتطور بتمددها الى الجنوب اللبناني واضعة لبنان برمته عند مهب اخطر ما قد يواجهه في قابل الأيام والاسابيع؟ فهل ستكون الحكومة قادرة على “استخراج” موقف موحد من الاخطار الماثلة مع بداية توريط لبنان في الحرب ومعالم ترنح بل انهيار القرار 1701 الدولي الذي يرعى الوضع بين لبنان وإسرائيل منذ عام 2006 وما يستتبعه ذلك من تداعيات ؟ ام ستفشل في ذلك وتنتهي الى لاقرار او الى تطيير الجلسة وتاليا ينكشف لبنان عن واقع اكثر اثارة للقلق من أي وقت مضى فيما تزدادا معالم “التحاق” الجنوب ميدانيا بغزة ؟
هذه التساؤلات اكتسبت الطابع الملح مساء امس حين بدا واضحا ان الخوف من تهاوي القرار 1701 وتسارع التطورات المؤدية الى تورط لبنان في الحرب صار امرا واقعا مع الوتيرة المتدرجة للاحداث اليومية ومن ثم تسليط الأضواء على الجبهة الجنوبية. وكانت المعلومات عن شن “هجمات جوية بالمسيرات التي تحمل مقاتلين من جنوب لبنان وتنفيذ عمليات انزال في الجليل” نموذجا حيا للمخاوف من انفجار غير محسوب في أي لحظة في حين قفز الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية الى أولويات المواقف التي عبرت عنها دول وفي مقدمها الولايات المتحدة ، بما يرسم صورة شديدة القلق حيال لبنان .
ومع ان المعطيات المدققة في الوقائع التي حصلت مساء امس شابها الكثير من التخبط وعدم الدقة بفعل التخبط في التقارير التي تبثها وسائل الاعلام الإسرائيلية وتنقلها عنها وسائل الاعلام العربية وسواها، غير ان الانباء عن “انزال لكوماندوس” في منطقة الجليل في شمال إسرائيل انطلق من لبنان على اكثر من 15 مسيرة وقيل لاحقا ان هدفه الأساسي، رفع مستوى “الأولوية” المتصلة بالمواجهة عند الحدود اللبنانية الاسرائيلية بحيث صار الوضع عند الحدود الجنوبية يطغى على انباء القصف الوحشي الإسرائيلي لغزة وما يخلفه من خسائر بشرية ودمار وبلوغ القصف الصاروخي لـ”حماس” مدينة حيفا. ولاحقا نفى الجيش الإسرائيلي حصول أي تسلل من لبنان او أي اختراق لمسيرات للحدود.
وافيد ليلا ان “حزب الله” اطلق نيران المضادات الارضية باتجاه طائرات مسيّرة اسرائيلية كانت تحلق في أجواء اقليم التفاح ومنطقة جبل الريحان.
قصف موقع إسرائيلي
سبق ذلك نهارا اعلان “المقاومة الإسلامية” تنفيذ “ردٍّ حازم على الاعتداءات الصهيونية التي أدّت إلى استشهاد عدد من الأخوة المجاهدين” باستهداف موقع الجرداح قبالة منطقة الضهيرة بالصواريخ المُوجّهة “مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الإصابات المؤكدة في صفوف قوات الاحتلال بين قتيل وجريح”. على الاثر، نفذ الجيش الاسرائيلي قصفا على مناطق مفتوحة في بلدة الظهيرة جنوب لبنان. واعلنت قيادة الجيش انه “بعد عملية مسح وتفتيش للمناطق الحدودية، عثرت وحدة من الجيش في سهل القليلة على المنصة التي أطلِق منها عدد من الصواريخ يوم أمس، وكانت تحمل صاروخًا عملت الوحدة المختصة على تفكيكه”. من جانبه، قال الناطق الرسمي بإسم اليونيفيل أندريا تيننتي، رداً على بعض الإشاعات التي تتناقلها بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ان ” اليونيفيل تواصل حضورها ومهامها العملياتية. عملنا الأساسي مستمر وقيادة اليونيفيل على اتصال دائم مع السلطات على جانبي الخط الأزرق وتحض على ضبط النفس”.
البيت الأبيض
وفي المواقف الخارجية البارزة قال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض إن الولايات المتحدة تراقب التطورات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية عن كثب ولا ترغب في تفاقم الصراع أو اتساع نطاقه. وقال “نرى صواريخ تنطلق من جنوب لبنان الى شمال إسرائيل نتابع هذا بقلق بالغ بالتأكيد لا نرغب في تفاقم هذا الصراع او اتساع نطاقه” وأوضح انه لا يعتقد ان من مصلحة إسرائيل ان تقاتل في جبهة ثانية وتدافع عنها .
وجرى مساء تداول شائعات عن أن السلطات الأميركية بدأت بعمليات إخلاء السفارة الأميركية في لبنان، كما طلبت من مواطنيها مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن. وردًا على ذلك، أوضحت السفارة الأميركية أنه “لم يتم إخلاء السفارة الأميركية في بيروت وهي تعمل بشكل طبيعي، كما أن كل التقارير التي تقول خلاف ذلك كاذبة.”
وفي المواقف السياسية البارزة علّق الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على مواقف للرئيس الأميركي جو بادين الداعمة لإسرائيل فقال : “لكن سيد بايدن، أنت ترى جانبًا واحدًا فقط من الصورة لأن نتنياهو اتصل بك بالأمس، ماذا عن الشعب الفلسطيني، وماذا عن غزة، أكبر معسكر اعتقال في العالم، هل ستتركهم ليحرقوا بالقنابل الإسرائيلية؟”. وفي مجال اخر شدّد جنبلاط ” على انه “في ما يتعلق بلبنان، نسير في مرحلة خطيرة جدا، ونصحت رسميا وغير رسميا “حزب الله” بألا يُستدرج، وكان ثمة تبادل لإطلاق النار بين الحزب والإسرائيليين، وأصدر الحزب بيانا واضحاً بأنه رد على الاعتداء نتيجة إطلاق صواريخ من جهة ما، ومجّدداً اليوم أطلقت الصواريخ أو القذائف، أجدد كلامي بألا يُستدرجوا، فسهل جداً أن يبدأ المرء بالحرب وصعب أن يعرف كيف تنتهي، وحتى هذه اللحظة فإن حركة “حماس” تُسيطر على مجريات الأمور بالرغم من كل ما يُقال”. وأكد جنبلاط “الوقوف إلى جانب الشعب الجنوبي وكل من يتعرض للاعتداء من قبل إسرائيل، وعلينا ان نعي في لبنان كأفرقاء سياسيين، أن ما من أحد يستطيع أن يقدّم او يؤخر، نستطيع ان نعمل شيئا في الداخل وهو أن نرمم تلك الحكومة، كون قضية رئاسة الجمهورية في الوقت الحاضر أُجّلت، وهو أن ندعم الحكومة كي تستطيع عند الاسوأ ان تقوم بواجباتها صحيا واجتماعيا وعبر الهيئة العليا للاغاثة وسواها”. ووجه جنبلاط رسالة إلى السيد حسن نصرالله، قائلاً: “أعلم أن حساباته ليست فقط لبنانية، بل اقليمية، اذ إنه لاعب أساسي في الإقليم، وقد يكون هو الذي يقرر أو لا، ولكن أكرر التمني بألا يُستدرج”.
في المقابل حذر رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل من أن “منظومة “حزب الله” تعرّض لبنان للخطر”، منبها من “جرّ لبنان إلى هذا الصراع وبلدنا غير قادر على دفع الثمن” . وقال “الجميع يعلم أن حزب الله وحماس وإيران حلفاء في محور واحد يدعو الى وحدة الساحات والشعب اللبناني بأكمله معرّض للضرر اليوم ونحذر من أي خطوة يقوم بها حزب الله”، داعيا الدولة اللبنانية إلى نشر الجيش بشكل واسع في الجنوب بالتنسيق مع اليونيفيل والالتزام بالقرار 1701. وقال: “لسنا على استعداد لجرّ بلدنا الى الحرب والشعب اللبناني دفع بما فيه الكفاية ثمن الصراع العربي الاسرائيلي، الجميع يتحدث بإسم لبنان للأسف إلا اللبنانيين فلبنان رهينة ولا يتحمّل المزيد من الأثقال التي تُلقى على عاتقه”.
اما “حزب الله” فهاجم بعنف الولايات المتحدة واعلن “إننا نعتبر الولايات المتحدة شريكًا كاملًا في العدوان الصهيوني ونحملها المسؤولية التامة عن القتل والإجرام والحصار وتدمير المنازل والبيوت والمجازر المروعة بحق المدنيين العزل من الأطفال والنساء والشيوخ”. وقال : “إننا نطالب جماهير أمتنا العربية والإسلامية التي تعرف الحقيقة البشعة لأميركا وعدوانها على شعوب أمتنا في العراق وسوريا وأفغانستان أن تدين التدخل الأميركي وشركائه الدوليين والإقليميين وفضح هذا التدخل على كافة المستويات السياسية والشعبية والإعلامية والقانونية وفي شتى المحافل والتجمعات الإقليمية والدولية”.