الموجات الارتدادية لـ «طوفان الاقصى» لا يزال يغرق دولة الاحتلال الاسرائيلي في اسوأ «كوابيسها». ومع دخول المواجهة يومها الرابع، لا تزال تتخبط امنيا وعسكريا ونفسيا، وتسعى الى استعادة الهيبة المفقودة عبر سفك دماء المدنيين الفلسطينيين بغارات وحشية على غزة، التي كسبت الحرب منذ الساعات الاولى، وكل «الثرثرة» الاسرائيلية «لا تغني ولا تسمن عن جوع»، وتهديد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو بمعركة حاسمة ستغير وجه الشرق الاوسط، لم يرفع معنويات المجتمع «الاسرائيلي» المنهارة، واثارت التهكم لدى الجانب الآخر، حيث اكد مسؤول رفيع في محور المقاومة لـ «الديار» ان نتنياهو لم يدرك بعد ان وجه الشرق الاوسط قد تغير فعلا في السابع من تشرين!
وفيما تشير التوقعات بان يبدأ الهجوم «الاسرائيلي» البري على غزة خلال ال24 ساعة المقبلة، ارتفع منسوب الضغط الاميركي على لبنان لمنع فتح جبهة الجنوب، حيث ارتفع منسوب التوتر على جانبي الحدود. والجديد بالامس، محاولة «اسرائيلية» لتجاوز «الخطوط الحمراء»، ورسالة موقعة باسم «طوفان الاقصى» اوصلها مقاومون من حركة الجهاد الاسلامي الى العدو، بعد تسلل عناصر من «سرايا القدس» الى فلسطين المحتلة، حيث خاضوا مواجهة ضارية ادت الى جرح سبعة جنود «اسرائيليين».
هذا التوتر، كان يمكن أن يكون مضبوطا لو اقتصر الرد «الاسرائيلي» على التمشيط المعتاد للمناطق المفتوحة في خراج البلدات الجنوبية، لكنه تجاوز «قواعد اللعبة» باستهدافه مركز مراقبة تابعا لحزب الله الذي نعى ثلاثة شهداء. ووفقا للمعلومات، فان قرار المقاومة بالرد متخذ ولا يقبل اي تأويل، وقد بدأ برد اولي مساء عبر استهداف ثكنة برانيت وهي مركز قيادة فرقة الجليل، وثكنة افيفيم وهي مركز قيادة كتيبة تابعة للواء الغربي، بواسطة صواريخ موجهة وقذائف هاون، وسيكون الرد متدحرجا ضمن قواعد الاشتباك التي سبق وحددها بوضوح الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، واوقف حينذاك كل شمال فلسطين المحتلة على «اجر ونصف»، حتى جاء الرد على محاولة «الاسرائيليين» تعديل هذه القواعد. وهذه المرة لن يكون الامر استثناءً ، وسيكون الرد رادعا وبحجم الاعتداء.
التطورات الميدانية
ميدانيا، قصفت قوات الاحتلال المناطق الحدودية في القطاع الغربي والاوسط، وفي خطوة تهدد بتصعيد خطر للموقف، اعلن الجيش «الاسرائيلي» انه قصف 3 مواقع تابعة لحزب الله على الحدود مع لبنان، وقد نعى حزب الله 3 شهداء سقطوا في قصف احد ابراج المراقبة على الحدود: وهم الشهداء حسام محمد إبراهيم «حسام عيترون» من بلدة عيترون الجنوبية، علي رائف فتوني «حيدر» من بلدة زقاق البلاط – بيروت، علي حسن حدرج «فداء» من مدينة بيروت ، فيما اعلن الجيش اللبناني عن اصابة ضابط في رميش، اثر استهاف ثكنة عسكرية.
وقد عمدت قوات الاحتلال الى قصف بالمدفعية منطقة الضهيرة الحدودية في القطاع الغربي، وصولا الى بلدات مروحين والبستان والزلوطية بعد ظهر امس. وتوسعت لتشمل اطراف بلدة عيتا الشعب في قضاء بنت جبيل. كما سمعت طلقات نارية مكثفة عند حدود الضهيرة، وسجل تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع على علو منخفض في سماء الجنوب. واشار جيش العدو الى اشتباك وقع في الجبهة الشمالية، بعد تسلّل مسلحين من الأراضي اللبنانية، وتحدث الاعلام العبري عن مقتل اثنين من المتسللين.
وقد نفى حزب الله تنفيذ أي عملية داخل الاراضي المحتلة. وأعلنت «سرايا القدس – الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين»، مسؤوليتها عن العملية التي نفذت عند الحدود مع فلسطين المحتلة، وقالت انها أدت الى إصابة 7 جنود صهاينة بينهم إصابة خطرة، وقالت السرايا «ضمن معركة طوفان الأقصى سرايا القدس تعلن مسؤوليتها عن العملية التي تأتي في إطار تطبيق سرايا القدس لمبدأ وحدة الساحات».
ووفقا لصحيفة «يديعوت أحرونوت» فان «إسرائيل» حذّرت الحزب عبر فرنسا بضرب الضاحية الجنوبية في بيروت ودمشق إن تدخّل في الحرب، وأن نظام الرئيس السوري سيكون في خطر!
ساعات حاسمة
وقد لامس الاعتداء الاسرائيلي بالامس المنازل في القرى الحدودية، وتم تدمير منزل في الضهيرة، ومنزل في مروحين خلال ساعة ونصف الساعة من القصف، الذي نفذته مدفعية جيش الاحتلال التي قامت بتمشيط الاحراج في خراج المستوطنات. وسادت حالة من الذعر في «المطلة»، حيث تم اقفال تام في المستوطنة، وتحولت الى ثكنة عسكرية حيث انتشر عشرات الجنود وسط ارباك اعلامي وامني اسرائيلي.
وفيما اكدت مصادر مطلعة ان الساعات المقبلة ستكون حاسمة، علق وزير التربية الدروس اليوم في الجنوب، وشهدت الطرقات زحمة سير خانقة نتيجة انتقال سكان بعض القرى الى مناطق آمنة، تحسبا لانفجار الاوضاع على نطاق واسع.
وقد حشد جيش الاحتلال عشرات الآلاف من جنود الاحتياط من قطاعات الجيش «الإسرائيلي» كافة، ونشر دباباته على الحدود مع لبنان، تحسباً لأي طارئ، بينما أوعز وزير الجيش يؤواف غالانت بالاستعداد لإخلاء المستوطنات القريبة من الحدود الشمالية بعمق عشرة كيلومترات، حيث قام جنود الاحتلال منذ صباح امس، بوضع حوائط إسمنتية على طول السياج الشائك عند حدود مستعمرة المطلة قبالة تلة الحمامص عند مثلث الخيام -الوزاني، مدعومين بآليات ودبابة ميركافا. وقد رفع العدو جهوزيته بعد اقتراب شبان من الشريط الشائك في اليومين الماضيين على متن دراجات نارية تشبه دراجات المقاومين التي اخترقت غلاف غزة.
في المقابل، نصب الجيش اللبناني نقاط تفتيش عديدة من مدخل منطقة جنوبي الليطاني عند جسر الخردلي باتجاه سهل الخيام، وقام بالتدقيق في هويات المارة للتثبّت من عدم وصول غير لبنانيين، لا سيّما فلسطينيين، إلى الحدود الجنوبية. كما نفذت قوات «اليونيفيل» دوريات على طول الحدود.
ارباك وحشود
وفي مشهد يدل على ارباك كبير، دوت صافرات الإنذار في الجليل الأعلى شمال فلسطين المحتلة، وبعد ان أفادت وسائل إعلام العدو عن إطلاق 12 صاروخاً من جنوب لبنان باتجاه الجليل الأعلى وجبل الشيخ، تبين ان الخبر غير صحيح وصفارات الانذار انطلقت دون اي مبرر. وقد اصبحت مستعمرة المطلة المحاذية للبنان ثكنة عسكرية إسرائيلية تتجول فيها الدبابات بعد اخلائها من السكان.
ووفقا للاعلام «الاسرائيلي» طلب من سكان 29 مستوطنة قريبة من الحدود الدخول الى الملاجىء حتى اشعار آخر. وتناقل سكان الجليل الاعلى ومنطقة شمالي شرق حيفا «فيديوهات» تظهر ارتالا من الدبابات وناقلات الجند تتجه صوب الحدود الشمالية لفلسطين، مع انتشار عدد كبير من العسكريين. وقد اعلن الاستنفار العام في صفوف حزب الله، اشتمل على إجراءات ميدانية لاحظها العدو على طول الجبهة، وقد تم وضع سقف محدد «للخط الأحمر» الذي يعرفه العدو، وأنه في حال تجاوزه تحت أي ظرف، فإن الجبهات ستشتعل وربما مرة واحدة.
حزب الله «والخطوط الحمراء»
وكانت مواقف مسؤولي حزب الله واضحة ولا تقبل اي التباس، فقد حذّر رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك، من أنّه عندما يتجاوز العدو حدوده والخط الأحمر سيرى ما لم يتوقعه من المقاومة الإسلامية في لبنان ومن محور المقاومة. وقال: إنّ كلّ المقاومين هم جنود غزة، ولن نترك فلسطين. واكد يزبك خلال مراسم رفع راية فلسطين على تلة عين بورضاي، ان معركة طوفان الأقصى هي معركة الجميع.
من جهته، أكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد «أنّ الإسرائيلي لم يعد أسطورة وأصبح هشاً، وهو كالروبوت مصنّع ومن داخله فارغ، والإسرائيلي يركب القوة لديه من فقرات في العمود الفقري لكن من دون عصب، والآن لا يستطيع أن يحمي الكيان الذي يحتله»، معتبراً «أنّ الإسرائيلي لا يستوعب ما حصل معه ولن يستوعب، لأنّ ما حصل أكبر من أن يوصف، والإسرائيلي في مأزق كبير لأنّ هذه العملية صدّعته، وصدعت دوره وستكون إن شاء الله تمهيدا لإزالة كيانه». وأضاف أنّ «هذا الكيان الموقت آن له أن يزول وأن تتخلّص البشرية في منطقتنا على الأقل من أعبائه وتسلطه».
ضغوط وتهويل اميركي
وفيما طلبت السفارة الأميركية من مواطنيها في لبنان توخّي الحذر «لأن الوضع في إسرائيل لا يزال غير قابل للتنبّؤ»، يتواصل الضغط الدولي على لبنان لمنع انفجار الاوضاع على الحدود الجنوبية. ووفقا لمصادر مطلعة، يدير الجانب الاميركي ما يشبه «غرفة العمليات» نيابة عن «اسرائيل» للمارسة الضغوط على الدول المحيطة بـ «اسرائيل» لمنع انهيار شامل في المنطقة، فاضافة الى الاتصالات مع مصر والاردن، تم تكليف جهات عربية للاتصال بالرئيس السوري بشار الاسد للتحذير من اي تحرك يمكن ان يربك حسابات المعركة التي تديرها «اسرائيل» ضد حركة حماس.
وقد تلقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سلسلة من الاتصالات الدولية والعربية والمحلية، كما تلقى في الاطار نفسه اتصالات من عدد من رؤساء الدول والحكومات، وفيما سمع ميقاتي كلاما عالي النبرة من قبل مسؤول اميركي رفيع حول تداعيات دخول لبنان في المواجهة، باعتبار ان الرد «الاسرائيلي» سيكون مدمرا، حسب تعبير ذلك المسؤول، شدد ميقاتي على ان الاولوية لدى الحكومة هي حفظ الامن والاستقرار في جنوب لبنان، واستمرار الهدوء على الخط الازرق والالتزام بالقرار 1701 ووقف الانتهاكات الاسرائيلية المستمرة للسيادة اللبنانية جوا وبحرا وجوا، والانسحاب من الاراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة. واعلن ميقاتي ان الاتصالات التي قام بها أكدت حرص الدول الصديقة والشقيقة على بقاء لبنان في منأى عن تداعيات الوضع المتفجّر في الاراضي الفلسطينية، وحمايته».
ووفقا لمصادر ديبلوماسية، فان واشنطن ابلغت القيادة «الاسرائيلية» خشيتها من ان يؤدي الإقدام على عمل عسكري واسع الى حرب شاملة في كل المنطقة. ولهذا تبذل واشنطن كل الجهود لمنع توسّع رقعة المواجهة، ولهذا طلبت من حكومة الملك الأردني اتخاذ كل الإجراءات التي تحول دون قيام أي تحركات شعبية أو غير شعبية من شأنها تهديد الأمن الإسرائيلي، كما طلبت من الحكومة المصرية ممارسة الضغط على الجانب الفلسطيني وتشديد الإغلاق على قطاع غزة، فيما طلبت من رئيس الحكومة «كبح» جماح حزب الله ومنعه من القيام بأي عمل عسكري دعماً للفلسطينيين.
قلق جنبلاط
من جهته، اعلن الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط انه تواصل مع الرئيسين بري وميقاتي، ومستعد لاي تحرك، والاهم الآن هو ضبط الجنوب وعدم تجاوز حدود معينة. وطالب حزب الله بضبط الجنوب اكثر من اي وقت مضى ، خصوصا من بعض التنظيمات التي قد تتسلل الى الاراضي المحتلة. واشار الى انه سيتواصل مع حزب الله، معتبرا ان كلام رعد عن زوال اسرائيل «غير مفيد».
ووفقا لمصادر مطلعة، فان جنبلاط قلق جدا من التطورات، ويخشى انزلاق الامور نحو الاسوأ، بعد ان سمع كلاما عالي النبرة من ديبلوماسيين غربيين تحدثوا عن ان «اسرائيل» لديها «ضوء اخضر» لفعل ما تشاء وبالقوة المطلقة، لاستعادة هيبتها المفقودة في غزة، وهو يريد تجنيب لبنان «دائرة الجنون» الحالية. ولهذا يعتبر جنبلاط انه يجب تحييد لبنان، لاننا «لسنا لجبهة جديدة».
التمديد لقائد الجيش؟
وفي هذا السياق، وعلى وقع ارتفاع المخاطر الامنية على الحدود الجنوبية، علمت «الديار» ان اتصالات سياسية رفيعة المستوى يديرها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي لتجنب اي فراغ في قيادة الجيش في 10 كانون الثاني المقبل. ووفقا للمعلومات، فان مروحة الاتصالات تركز على ضرورة ايجاد مخرج قانوني مغطى سياسيا من اكثر من جهة سياسية في المعارضة وداخل الحكومة، لتثبيت نوع من الاستقرار على رأس القيادة العسكرية قبل ثلاثة اشهر من حصول الفراغ في قيادة الجيش، ولان الاوضاع تزداد تعقيدا في البلاد التي تواجه خطر اندلاع حرب مع «اسرائيل»، يضاف اليها «قنبلة» النازحين السوريين الموقوتة، فان تعيين رئيس اركان واعضاء للمجلس العسكري تدبير لا يتناسب مع حجم الخطر المحدق، كما ان خيار تكليف اللواء بيار صعب باعتباره الضابط الأعلى رتبة في المجلس العسكري بمهام القائد، دونه عقبات لوجستية وقانونية في قانون المؤسسة العسكرية، كما انه يضعف مؤسسة الجيش في توقيت خاطىء.
ولهذا ثمة افكار تطرح، ومنها تأجيل تسريح قائد الجيش بعد إعلان حالة الطوارئ، حيث ستتخذ الحكومة القرار بصفتها السلطة الاعلى في الدولة، وتحت عنوان الضرورات تبيح المحظورات يمكن تجاوز اعتراض وزير الدفاع موريس سليم الذي يرفض تقديم اقتراح التمديد، في ظل رفض التيار الوطني الحر لبقاء قائد الجيش جوزاف عون يوما واحدا بعد انتهاء ولايته.
ووفقا للمعلومات، يحاول ميقاتي الحصول على تغطية سياسية مسيحية من «القوات اللبنانية»، بعد ان حصل على اجوبة ايجابية من القوى السياسية داخل الحكومة على ان يُفعل اقتراحه في الايام المقبلة، خصوصا اذا شهدت البلاد تصعيدا عسكريا على الحدود الجنوبية.
بوحبيب الى دمشق
وفي ملف النازحين، يتوجه وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال عبد الله بوحبيب الشهر الجاري الى دمشق للقاء نظيره السوري فيصل المقداد، وقد اجرى بالامس اتصالا هاتفيا بالوزير السوري حيث تم البحث في التطورات في غزة والتحضيرات لعقد اجتماع طارئ لمجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة، حيث اتفقا على عقد لقاء على هامش الاجتماع. كما تباحث الوزيران في الزيارة المرتقبة لبوحبيب الى سوريا قبل نهاية الجاري، لمناقشة مسألة النازحين السوريين وسبل معالجتها.