حماس..ما بعد الطوفان (ساطع نور الدين)
2023-10-09 00:41:43
منذ فجر السابع من تشرين الاول أكتوبر الحالي، ومساحة قطاع غزة تتسع يوماً بعد يوم، ومعها ترتفع مكانة حركة حماس ودورها في كتابة التاريخ الفلسطيني.
لم يعد مجازياً السؤال عما اذا كان الحزام الامني الاسرائيلي الذي كان يحيط بالقطاع ويخنقه، والذي أسقطته عملية "طوفان الاقصى"، ما زال يمكن ان يُرمّم ويُعاد تأهيله واستخدامه على نحو ما جرى في العقود الماضية؟ الارجح أن مستوطني ذلك الحزام الذين أخلتهم بالامس سلطات الاحتلال من مساكنهم، لن يعودوا اليها بعد الآن، حتى ولو ضاعف الجيش الاسرائيلي مواقعه وتحصيناته ورفعها في السماء. يمكن أن يصبح الحزام الذي كان يمتد بطول 50 كيلومترا وبعمق 80 كيلومتراً ، وسيطر عليه جنود الجيش الفلسطيني الجديد، خلال أقل من ثلاث ساعات، منطقة عسكرية عازلة، بين جيشين تقليديين رسميين.
بالأمس أثبتت حماس أن لديها جيشاً منظماً، محترفاً، مقداماً، يمتلك وحدات برية وبحرية وجوية واستخباراتية مصغرة، تقاتل كأي جيش تقليدي، يعد خططه بسرية مطلقة، وينفذ عملياته العسكرية بتنسيق ميداني عالي المستوى، وبخبرة تشبه خبرات جيوش عريقة..وتدخل تعديلاً مهماً على موازين القوى العربية والاسرائيلية، إستدعى تدخلاً عسكرياً أميركياً مباشراً في الحرب وتورطاً سياسياً أوروبياً فظاً في تغطية موقف اسرائيل، لم يسبق لهما مثيل منذ حرب تشرين العام 1973.
هذا الغطاء الغربي لاسرائيل، هو بلا شك رصيد إضافي لحركة حماس وجيشها الذي يبدو انه، بالفعل لا بالقول، "زلزل الارض تحت أقدام الاسرائيليين"، وتمكن خلال ساعات من هزّ أركان الدولة اليهودية، وتمريغ أنف مؤسستها العسكرية، وتحطيم هيبتها ونفوذها، وإفراغ قوة الردع التي تتباهى بها دائما من مضمونها.. محققاً إنجازاً تاريخياً مذهلاً، لم يحققه أي جيش عربي آخر من قبل، في زمن قياسي خاطف، وبتسليح شديد التواضع.
اكتسبت "حماس"، شرعية فلسطينية اضافية لا شك فيها، واستحقت تفويضاً جديداً لقيادة العمل الوطني الفلسطيني، لا يمكن لأي تنظيم فلسطيني أن يتحداه، ولا ان يناهض الاعتراف بالحركة كسلطة فلسطينية جديدة، بديلة للسلطة القائمة، لا كسلطة ظل موازية، تنتظر الفرصة المناسبة أو الانتخابات المؤجلة لفك الحصار عن قطاع غزة، والانتشار في بقية أنحاء الوطن الفلسطيني، وحمل راية الاستقلال والحرية..مهما كان الثمن الذي ستدفعه الحركة وجمهورها في نهاية هذه الحرب.
لم تنته الحرب وهي لن تنتهي في أيام أو أسابيع أو حتى أشهر. الوقائع لا توحي بأن الجيش الفلسطيني الذي أرسل المئات من جنوده الى العمق الاسرائيلي كان يستبعد الشهادة، أو يضع الراية البيضاء في حسابه. عدد الاسرى الاسرائيليين لديه، فضلا عن عدد القتلى والجرحى الذي سقطوا بنيرانه، يبدد خطر إعادة الاحتلال الاسرائيلي للقطاع، بل حتى الاجتياح البري الواسع لبعض مناطقه..ويدفع هذه المرة في اتجاه التفاوض الرسمي بين جيشين وسلطتين على تبادل الاسرى، وعلى الترتيبات العسكرية والامنية المناسبة للجانبين على خط الجبهة الفاصل بينهما.
لكن هذه المفاوضات الحتمية، مهما طالت الحرب، لن تتبلور فقط في ضوء ما يفرزه الميدان. ثمة هزة عميقة في الوعي الاسرائيلي للصراع مع الشعب الفلسطيني، تخفيها الاصوات الاسرائيلية المرتفعة حالياً بتهديدات وتكتيكات الابادة الجماعية الفعلية لفلسطينيي القطاع، والمبنية ليس فقط على أوهام القوة، ولا على أحلام الثأر، بل على غريزة البقاء التي طعنها جنود الجيش الفلسطيني في الصميم، في خلال اليومين الماضيين، وبدأت علاماتها تتسلل من عمق المجتمع الاسرائيلي المصدوم بالرقم القياسي لقتلاه وجرحاه وأسراه، والراغبين بهجرته، على الاقل حتى يتوقف ذاك الطوفان الفلسطيني الجارف الذي يعطل العيش في الدولة اليهودية، ويفقدها مناعتها، ويحرم سكانها من الأمان..ويوسع مساحة قطاع غزة الى حدود لم يبلغها من قبل.
ساطع نور الدين