2024- 11 - 25   |   بحث في الموقع  
logo تحذير إسرائيلي عاجل لسكان النبطية logo بعد الضاحية الجنوبية والنبطية… تحذيرات إسرائيليّة لسكان مدينة صور logo لبنان: استخدام أسلحة أميركية في غارات إسرائيلية على صحافيين logo مجزرتين جديدتين في غزة.. والسكان بلا مأوى أو طعام logo "حياتكم بخطر"... تحذيرٌ إسرائيلي يطال سكان صور (صورة) logo بالفيديو: موجة جديدة من الغارات على الضاحية الجنوبية logo إسرائيل تروّج للانتصارات بينما "الشمال في شلل تام" logo إستشهاد عسكرِيَين في الجيش وسيّدة… إليكم حصيلة “غارات صور”
باسم بريش لـ"المدن": هناك مجال لسينما عربية أخرى
2023-10-06 13:41:33

لا أحد يستطيع تغيير الماضي أو الهرب منه، وبالتالي يبقى المستقبل مساحة مفتوحة على تفعيل الإرادة وتقرير المصير وتجاوز الأخطاء السابقة. في فيلمه الروائي الطويل الأول، "بركة العروس"(*)، يتفاوض باسم بريش مع هذا الافتراض عبر قصّة امرأتين تحاولان المحافظة على حياتهما واستقلالهما، حتى إن اضطرهما السعي لبلوغ هذا الهدف الوصول إلى تخوم بعيدة وشاقّة. الأمّ سلمى (كارول عبّود)، امرأة ستينية تجاوزت ماضيها وحَمَت استقلالها عبر تخليها عن كل ما تعلَّقت به وهروبٍ أليم من روابطٍ كبّلتها، بما فيها رابط الأمومة بابنتها ثريّا (أميّة ملاعب). لكن الماضي لا يموت، لم يشأ أن يتركها في عزلتها، فأعاد لها ثريّا، منهزمة ومُطلّقة وحاملاً. تعاند المرأتان هذا اللقاء بينهما، قبل أن تكتشفا على مضض أن الخيبة المشتركة باتت هي الرابط الأخير بينهما.أراد بريش "الحديث عن امرأة لا يعرفها"، كما يقول، من دون أن يثقل فيلمه بخطاب نسوي زاعق أو بيانات غاضبة أو حتى تقديس العلاقة بين الأمّ والإبنة كما تفعل الكثير من الأفلام. وفي سبيل التركيز على بطلته، اختارها وحيدة بلا رجال في حياتها (لا زوج ولا حبيب ولا ولد)، نتابعها في شؤونها اليومية ورتابة أيامها، ثم بعد ذلك تقتحم وحدتها ابنتها، المرأة الثانية للفيلم، ومن ثمّ نعاين آثار ولواحق هذا اللقاء. بين ماضٍ مرير لم تزل مفاعيله حيّة ومتعيّنة وحاضرٍ مُعلَّق بقرارات ضرورية وحاسمة؛ تحاول المرأتان بناء حياة من رُكام خبرتهما حتى إن اضطرهما هذا الخيار لمواجهة ما لا تريدانه: نفسيهما."المدن" التقت المخرج باسم بريش للحديث عن فيلمه وجذوره ورؤيته للسينما التي يريد تحقيقها.
- كيف بدأ الفيلم؟* لفترة طويلة لازمتني الرغبة في الحديث عن عائلة مفكّكة، من دون الاهتمام بأسباب هذا التفكّك. أردت أن أنجز فيلماً عن العائلة، وفي الوقت نفسه أقدّم تحية لامرأة أساسية في حياتي، أمّي. كانت لدي أسئلة كبيرة عن الأمومة والعائلة والعلاقات العائلية، وما تستبطنه تلك الواجهات اللطيفة التي يحافظ بها الناس على المظاهر العائلية أمام المجتمع. لكن حين تعود إلى البيت، أي بيت، تجد مشكلات ومصائب، ولا أحد يريد تصدير مشكلاته للخارج. تُضفى هالة من القداسة على علاقة الأمّ بابنتها والأبّ بابنه، وهذا التقديس للعائلة نراه في السينما والتلفزيون. برأيي، كلّ مشكلاتنا قادمة من قلب هذه العائلة.ظلّت الفكرة تراودني لفترة طويلة، من دون العثور على زاوية محدّدة لمقاربتها؛ إلى أن بدأت الكتابة عن امرأة، دون أن أدري إلى أين ستذهب الكتابة. في عملي مع غسّان سلهب، بدأنا من فكرة عمومية حول امرأة تعيش في ضيعة جبلية، تعرف أسرار وخبايا بيئتها، وكنّا نعرف أن ابنتها ستدخل إلى القصةّ في مرحلة ما، وهكذا شيئاً فشيئاً ترابطت الفكرة إلى أن أنهينا السيناريو.صوّرنا الفيلم في المكان نفسه الذي نشأت فيه. كان هذا زمن الحرب، وإن كنت بعيداً عنها فعلياً، لكن في هذه المرحلة كان وجود الرجال ضئيلاً في القرية، لظروف عملهم في المدينة أو الهجرة، ما خلق فراغاً رجالياً بهذه القرى. كطفل، أنت تقضي أغلب وقتك مع نساء من حولك، سواء أمكّ أو خالتك أو عمّتك. وهذه أيضاً زاوية أردتُ مقاربتها.- في الفيلم تستكشف عالماً نسائياً. إلى مدى كان هذا مهماً بالنسبة إليك كرجل؟ وكيف تعاملت معه؟* كنت واعياً بذلك، ليس أثناء الكتابة بالطبع، لكن حتى في منظور الفيلم لا أدّعي أني امرأة أو على علم بخبايا النساء وعالمهن حساسيتهن. لذا منذ البداية كان مهماً وأنا أكتب هذه القصة أن أعي موقعي منها. لم أقحم نفسي كرجل داخل الفيلم، الذي بدوره لا يأخذ منظور الشخصيات، بل منظور شخص يتابعهم. الكاميرا (نديم صوما) كانت أساسية في إنجاز ذلك. منذ البداية كنّا واعين بأننا رجال نقارب شخصيات نسائية: في لحظات حميمية وخصوصية لا نقترب منهن، أو ربما نظلّ خارج الغرفة؛ في لحظات أخرى نادرة كان يحدث العكس. الموازنة بين قرار الاقتراب والبُعد منهن يفرضه كوني رجلاً يعالج مثل هذا الموضوع النسائي البحت والحميمي جداً، وبالتالي لا هذه المسافة موجودة أيضاً في ما يقوله الفيلم، أو ما أقوله كرجل يحيا في واقعنا المعاصر. أشياء كبيرة تغيّرت في العقد الأخير، تجعلنا كرجال نهجر النهج القديم، ونعيد التفكير في كامل نظرتنا ونظرة المجتمع لهذه المرأة، ونقف على حقيقة أننا على مرّ التاريخ لم نكن عادلين معها. بالطبع ليس مطلوباً منّي ولا ضمن نطاق مسؤوليتي تغيير نظرة المجتمع عبر العصور، لكن أعتقد أن موقعي كرجل يحتّم عليّ تركها تتصرّف كما تشاء، في جسدها وعلاقاتها وأمومتها. لستُ في موضعٍ يخوّلني "تعليم" النساء كيف يتصرّفن في شؤونهن ومعاشهن، وأعتقد أن هذا المبدأ واضح أيضاً في الفيلم.- صحيح، طريقة تناول الفيلم لموضوعه لا تأخذ نظرة فوقية أو وصائية لا على الموضوع ولا المتفرج، إنما يحثّ الأخير على التفاعل الخلّاق معه، بمعنى أن التجربة تصبح جماعية..* هذه السينما تستهويني، بديموقراطيتها في طرحها أو في تعاملها مع الجمهور. ديموقراطية بمعنى أنها لا تُلقّن ولا تنظّر ولا تؤلّه، لا تخبرك بأن هذا هو الشكل الصحيح للعائلة أو المجتمع. نقطة إنطلاقي في كلّ كتاباتي تأتي دائماً من محاولتي إشراك الجمهور في الحكاية المروية والأسئلة المطروحة بداخل العمل، وهذا ببساطة لأنك ككاتب يجب عليك ألا تستخف بقدر أو شأن المتلقّي المفترض وثقافته.في حالة "بركة العروس"، لدينا امرأة تعيش وحدها، لديها حبيب، مستقلة نسبياً وتعيش في قرية صغيرة تلوك سيرتها الألسن، وفي لحظة ما تأتيها ابنتها، حاملاً ومطلّقة. هذه قصّة الفيلم، أما كيفية قصّها فتختلف من مخرج لآخر. يمكن لأحدهم أن يشرح ويفسّر كل شيء، ويخرج الجمهور في نهايته سعيداً. لكن على الأغلب هذا الفيلم لن يتذكّره أحد. السينما التي أحبّها هي السينما التي لا تنتهي بنهاية الفيلم. تعطيك مجالاً للتفكير والتفكُّر، مثل أفلام غسّان سلهب. لديك وقت كمتفرّج، أثناء مشاهدتك لقطة ما، أن تفكّر بأمّك وعائلتك والحرب وأياً ما يخطر ببالك، ثم تعاود مشاهدة الفيلم. هذا أمر جميل، وإذا وُفّقت في عمله في فيلمي، فسأكون سعيداً.- بالحديث عن السينما، جال في بالي أثناء مشاهدتي الفيلم بيلا تارّ ونوري جيلان وكارلوس ريغاداس. بمن تأثّرت سينمائياً؟* دائماً ما أقول هذا وأعتز به: أنا تلميذ مسرح، وطوال سنواتي الدراسية الأربع كان تركيزي على الرقص، لأنني أردتُ أن أصبح راقصاً؛ إلى أن جاء يوم ودعتني صديقة للذهاب إلى السينما لمشاهدة فيلم لإيليا سليمان (كان معروضاً بالأونيسكو)، كان الفيلم هو "يد إلهية"(2002)، وبعد خروجي من الصالة، عرفت أنني أريد أن أصنع سينما. تغيّرت رؤيتي ومساري، ومن بعده ذهبت إلى سينما جاك تاتي وباستر كيتون وغيرهم. اقتصاد الحكي في عملي قادم من هذا المنبع.بعد ذلك، ذهبت للدراسة في إنكلترا، وازدادت مشاهداتي السينمائية. كل مَن ذكرتهم أثّروا بطريقة ما في حياتي. أحبّ كذلك جون كاسافيتز (رغم أنه يحكي كثيراً)، جارموش، برغمان، غسّان سلهب. إذا تحدّثت عن غسّان، ففضلاً عن أني أحبّ أفلامه كثيراً، وكونه صديقاً عزيزاً، فهو مرشد (رغم أنه يكره هذه الكلمة). ما تعلّمته من غسّان لم أتعلّمه في الجامعة، أراني أشياء سينمائية ثمينة وجميلة، مثله مثل إيليا، وهو صديق عزيز أيضاً. هناك سينمائيون يأخذوك إلى مواضع تتجاوز ما تراه على الشاشة (من أين جاؤوا وكيف عاشوا)، حين يرووا، يصبح الأمر أكثر من مجرد فيلم.- سينما تعطي مساحة للتأمّل...* بالحديث عن غسّان وإيليا تحديداً، فكلاهما يمتلكان هذا الشيء، رغم اختلاف عملهما. وأعتقد أن هذه قوة السينما. يزعجني في السينما المعاصرة أنها في حقيقتها تشلّ تفكيرك، لا تعطيك حتى وقتاً كمتفرج، بل تلقّنك بناءً على مواضيع ليست بالضرورة مهمةّ. أنا كمخرج لبناني، إذا أردت تمويلاً لفيلمي فلا بدّ أن يكون عن الحرب أو الأزمات السياسية أو النفايات. بالطبع السينما ابنة بيئتها، لكن المنتظر منك كسينمائي في هذه المنطقة (العربية عموماً) واضح وصريح، تراه في المهرجانات وفي نوعيه الأفلام التي تحصل على التمويل. فإذا أتيت بفكرة لفيلم عن امرأة وحيدة وابنتها، لا يثير هذا اهتمام مقدّمي التمويل الغربيين، من الباحثين عن مواضيع بعينها. تتحوّل السينما إلى نشاط NGO. أعرف أننا ينبغي أن نتحدّث عن الحرب والذاكرة والأزمات الاجتماعية والفساد والاغتيالات ووو، لكن أيضاً هناك مجال لسينما أخرى (أكثر من واحدة) من هذه المنطقة. وأنا هنا لا أحمّل المسؤولية للمنتجين الغربيين فحسب، وإنما للسينمائيين العرب كذلك ممن يطبخون سيناريوهات تستوفي شروط التمويل. هذه مسؤولية مشتركة.بالعودة إلى غسّان وإيليا، فما تراه في سينماهما لا يشبه هذا القالب. إنها تتجاوزه، وبهذا تسأل أسئلة أكبر. لهذه السينما أنتمى وأحبّ أن أتواجد، لا السينما السريعة (إنتاجياً واستهلاكياً): آخذ وقتي في إنجازها وأعطي المتفرّج فرصة للتفكير.- استغرق فيلمك 7 أعوام حتى يكتمل، بدءاً من كتابته حتى عرضه. هل هذه مدة طويلة؟* أولاً، كان يمكن للأعوام السبعة، أن تكون أربعة أو خمسة. لكن في النهاية، نحن لا نصنع وجبات سريعة. فمنذ تبدأ في الفكرة، تعرف جيداً أنك تدخل سوقاً إنتاجياً بمعطيات وقواعد معيّنة. في أول مراحل التطوير، تجسّ النبض وترى مَن قد يكون داعماً محتملاً. تحاول أن تجد مُنتِجاً، وهذه المرحلة كان صعبة جداً، لأن أحداً لم يرد إنتاج الفيلم. قبل دخول المنتجة جنى وهبي، تواصلت مع أكثر من منتج لبناني لكن لم تتفق رؤانا الإبداعية. إذا ذهبت لمسار الإنتاج الأجنبي المشترك، تواجه المشكلات المعتادة السابق ذكرها. لم أجد منتجاً غربياً، حتى دخلت "ميتافورا" على الخطّ، وهي شركة قطرية. لهذه العوامل وغيرها، تأخذ وقتاً لتنجز فيلماً مختلف بعض الشيء عن المطلوب والمتوقّع.- كيف أثّرت نشأتَك في الريف، في عملك؟* أتيت من قرية صغيرة، لم يجل في خاطري أن الفن سيصير مهنتي. لكن الجميل في الأمر أنني أحاول دائماً استقدام هدوء الريف إلى أعمالي... كثيراً ما تأتيني أسئلة حول كيفية التعامل مع الملل في الريف، فأقول إن الملل لا يمكن أن يأتيك وأنت محاط بالخضرة والأشجار. هذا ليس مللاً. إنه جمال.- حديثك عن الملل الذي يتصوّره كثيرون في الريف، يحيل إلى ما تحتاجه السينما المختلفة من وقتٍ لازم للتأمّل، قد يراه البعض ضجراً أو مللاً أو وقتاً ميّتاً...* إذا كنتَ ابن مدينة فالوقت الميّت فيها هو أيضاً ملل، لكنه وقت "ضاجج"، يصير تعبئة وقت، وهذا برأيي الفرق بين القرية والمدينة. كلاهما فيهما وقت ميّت، لكن في الأولى يأتي مع هدوء واحتمالات للتأمّل والتفكير مع نفسك، وهو ما لا تعطيه المدينة؛ فضلاً كذلك عن اللاندسكيب والمناظر الطبيعية.- بمناسبة المناظر الطبيعية، الطبيعة تكاد تصير بطلاً ثالثاً لقصة فيلمك. كما أنها متصلة بنهجك السردي في الإظهار لا الإخبار.* كما قُلت، عشتُ وتربّيت في الطبيعة، أحبّها، حسّاس في تعاملي معها، لا أؤذيها، بيتي في بيروت كلّه خضرة. هذا التقدير قادم من نشأتي بهذه القرية، من جدّي الفلاح الذي يحبّ الأرض التي تطعمنا. في الفيلم، لم أقتصر على استخدام الطبيعة كديكور جميل، بل تأتي كمكوّن أساسي في الكادرات لتقول شيئاً عن الشخصيات وعنّا. مثلاً، في أحد المشاهد، يلتقي حبيبان وسط منظر طبيعي، فيختفيان وسط الخضرة، يصيرا ضئيلين. في مشهد آخر، بعد ذهاب الأمّ والابنة إلى بركة العروس، يحضر مجاز كبير وثيق الصلة بقصّة الفيلم والفكرة الأسطورية عن الطبيعة الأمّ وربطها بصورة المرأة الأمّ. أياً ما كانت خلفية المتلقي، سيصله شيء مما يراه، حتى إن لم يفهمه تماماً. سيطرح سؤالاً، وهذا الانفتاح على التساؤل قادم بالأساس من هذه الطبيعة، ويتماشي مع القصّة التي أعرضها وهذه اللحظة التي حضرت فيها الطبيعة بهذا الشكل.السينما عالم مفتوح وزاخر بالإمكانات، لكن المشكلة أننا لم نعد نريد أن نرى مثل هذه الأفلام، بل استسهلنا الطبخ لهذا وذاك، والجري وراء الترند، والذهاب إلى ورش التطوير. صرّنا مُعلَّبين، نفكّر داخل صندوق دورة الإنتاج المشترك، وإذا ظهرت أي بادرة تفكير خارج الصندوق تُقصّ فوراً وتُعاد إلى داخله. أعتقد أن هذا أخطر ما في الأمر، أكثر من الانشغال بمن أين يأتي التمويل.- كصانع أفلام لبناني يعيش في بلد مأزوم للغاية، ما الذي يدفعك للاستمرار في العمل؟* لأنّي لا أجيد شيئاً آخر. أعتقد أن لا صلة لأزمات لبنان باستمرار صانع الأفلام في فعل ما يفعله. لبنان بلد مأزوم منذ وعيت على الدنيا، لكنّي أحبّه، وهو بلد كريم أيضاً يعطيك أشياء لن تجدها في أي مكان آخر. أريدُ رواية قصص من هذا البلد، وليس عنه. في الوقت ذاته، رغبتي في السينما مستمرة لأن السينما لذّة، في كل مرحلة من مراحل إنجازها. أنا مستعد لتكرار شعور العرض الأول لفيلمي بصرف النظر عن حجم التعب المطلوب للوصول إلى هذه اللحظة، لحظة المواجهة بين فيلمك وما تقوله والجمهور. خاصّة لأن هذه النوعية من الأفلام تستفز جمهوراً معيناً، أفكاراً مقدّسة عن مفاهيم محدّدة. حين تفعل هذا، فالأكيد أنك تملك شيئاً تقوله. أشعر أن لدي ما أقوله، وأحبّ أن أخبره على هذه الشاشة الكبيرة والكريمة، مثل هذا البلد. ثم إن المرء لا يودّ حقاً أن يعيش في بلد "كلّ شيء فيه ماشي" (يضحك)...عشتُ في إنكلترا حوالي 9 سنوات أثناء دراستي هناك، وأنجزت فيلماً قصيراً عُرض في مهرجان "كانّ"، لكني لم أعرف كيف أتعاطى مع بلد لا أعرف خباياه ولا حسّ دعابته. إذا عشت في بلدٍ لا تعرف ما يُضحكه وأنجزت أفلاماً فيه، فهذه مشكلة. وإذا اخترت أن تهاجر وتظلّ تصنع أفلاماً عن بلدك الأصلي، ففي رأيي يظلّ هناك شيء ناقص. وهذا الأمر لا أريده في عملي، ولهذا أنا باقٍ في لبنان.- أكثر ما لفتني في سيناريو الفيلم رسم العلاقة بين ثريا وسلمى، ليس كعلاقة أمّ بابنتها، تحديداً في تعاملهما مع الأزمة الطارئة بالإبنة.. علاقة تتجاوز الرابط العائلي، إلى نوع من "الأختية" أو ما شابه...* أحبّبت هذه الإشارة من مقالك حول الفيلم، لأن هذا بالضبط ما حاولت الوصول إليه. في مرحلة الكتابة رأيت أن هاتين الإثنتين كي يعودا إلى المستوي نفسه، كامرأتين وليس كأمّ وابنة، لا بد من العودة إلى الأساس: الدمّ، دورة الميلاد والموت. هكذا صارتا أمّاً وابنة. من هنا، شرعنا في رفد العلاقة بينهما بمزاجٍ غامق وحدثٍ فاصل يعيد ترتيب العلاقة بينهما وينزع القداسة عن أدوار اجتماعية مفترضة.عبء الأمومة على المرأة أحياناً يصبح ثقيلاً (وأحيانا لا يكون عبئاً أصلاً)، خاصةّ في نظرتنا كرجال لهذه المسألة. إذا أنجبَ الرجل ولداً وصار شخصاً سيئاً، يقع اللوم على المرأة/أمّه، فيما الأبّ يبقى خارج مجال اللوم، حتى إن تركه صغيراً. في حالة حدوث العكس، تتلقّى الأمّ سهام النقد. ثمة شيء ينبغي التفكير فيه هنا، وهذا برأيي أساس الفيلم: دعونا ننظر إلى المرأة، كما ننظر إلى حالنا كرجال، بدلاً من إثقال كاهلها بأعباء ربما تكون مدمّرة.- أي كلمات أخيرة؟* هناك جانب تقني آخر في الفيلم، يتعلّق بالعمل على الصوت. اشتغلتُ على الصوت كثيراً، لأهميته. وحتى في الموسيقى (شريف صحناوي)، اقتصدنا في استخدامها وجرّبنا ولعبنا معها. مرة أخرى، أوجّه الشكر لمدير التصوير نديم صوما بعدما خضنا معاً رحلة جملية في الجبل. أيضاً، جنى وهبي، منتجة الفيلم، التي أعطت كل ما لديها للفيلم. جنى من المنتجين الذين تودّ العمل معهم، تأتيك مع حبّ وطاقة ومجازفات، "فيها تكبّ حالها معاك". تحية لأمية ملاعب التي لعبت دور ثريا في أولى تجاربها التمثيلية، ورغم هذا تعلّمت منها، ربما لأنها موسيقية بالأساس: لديها موسيقى في عالمها، لديها موسيقى في مشيتها. خصوصاً أنها وقفت أمام ممثلة عملاقة بحجم كارول عبّود، التي أحبّها كثيراً. _____________________(*) يُعرض حالياً في الصالات اللبنانية(**) فاز الفيلم بـ3 جوائز ضمن فعاليات الدورة الـ44 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. الجوائز الثلاث هي، جائزة صلاح أبو سيف (لجنة التحكيم الخاصة)، وأفضل أداء تمثيلي لكارول عبّود، بالإضافة إلى تنويه خاص من اللجنة المانحة لجائزة أفضل فيلم عربي.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top