قد يكون خيار الصمت والابتعاد عن الضجيج الإعلامي الذي ينتهجه الموفد القطري في تواصله مع القوى السياسية، هو الخيار الأسلم للوصول الى قواسم مشتركة تساعد على الخروج من الأزمة، بعيداً عن التسريبات والتصريحات التي تضرّ أكثر مما تنفع. لكن الصمت لا يجوز عما يحصل من تعطيل كامل للحياة العامة في البلاد على مستوى الشلل الذي يضرب الحكومة ومختلف الادارات العامة، إذ يبدو بحسب تصرف القوى التي تمنع الحكومة من عملها وكأن الأمور بأحسن حال، وفي هذا التعطيل المقصود لحياة الناس جريمة إضافية لربما هي أقسى من جريمة الإمعان في إبقاء الشغور الرئاسي.
مصادر سياسية مواكبة أشارت لجريدة الأنباء الالكترونية إلى أن الموفد القطري بدأ يتلمس تغيّراً لافتاً لدى رؤساء الكتل التي التقاها، لكنه تغيّر غير كاف بعد لطرح مبادرة متكاملة. فهناك قوى ما زالت تقدّم مصالحها الخاصة على المصلحة الوطنية، وهناك فريق آخر لم يعط جواباً واضحاً بعد بانتظار ما قد تسفر عنه المفاوضات القائمة بين حزب الله والتيار الوطني الحر ، التي لم تصل الى نقطة محددة يمكن البناء عليها، لأن ما يطالب به التيار يتطلب حواراً على مستوى الدولة ككل وليس على مستوى فرقاء معينين دون غيرهم، “فطرح اللامركزية الادارية أو ما شابه يجب أن تشارك فيه كل القوى السياسية، وإذا كان البعض يرفض الحوار من أجل الخروج من المأزق الرئاسي، فكيف يمكن التحاور على أمور معقدة مثل الفيدرالية وصندوق الائتمان وغيرها”.
وفي سياق استعراض المبادرات الرئاسية، يرى النائب الياس جرادي في حديث لجريدة الأنباء الالكترونية أن هناك “مسارَين متوازنين، مسار تعطيلي مبني على مصالح خاصة، ومسار آخر يبحث عن حل جذري للأزمة”، لافتاً الى “الجهود الخارجية التي لا تتعارض مع الجهود الداخلية للوصول الى حلول شعارها الحل الوسط أو البحث عن خيار ثالث، في وقت ما زال البعض يستخدم أسلوب المناورة واستغلال الوقت لتحصيل مكاسب شخصية. أما بالنسبة لنا القناعة راسخة بأن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار”.
ورأى جرادي أن “مبادرة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان والمبادرة الحوارية التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري، والمبادرة القطرية، كلها فيها خيوط متشابكة وربما بلحظةٍ ما قد تقود لتحضيرات جدية لإخراجها والسير بها”، مستبعداً في الوقت الحالي الدعوة لطاولة حوار تعقد في الدوحة لأن الحوار الداخلي برأيه يبقى أفضل وأجدى وأكثر سيادية.
وتوقع جرادي عودة المفاوض الأميركي آموس هوكشتاين قريباً لاستكمال عملية ترسيم الحدود البرية “لأن عمله لا يتأثر بالإعلام اللبناني، فهو يعمل على إخراج بعض الأمور لنزع فتيل التصادم كما حصل في الترسيم البحري”، مؤكداً أن “الترسيم البري قائم وهذا ما لفت اليه في الماضي عندما طرحت عملية الترسيم البحري بالدعوة لعدم تضييع الوقت والكف عن الاستغلال الشخصي والفردي”، معتبراً أن “تعنت بعض القوى ورفض الحوار يجعلنا نذهب الى طريق مسدود في الملف الرئاسي وضرورة البحث عن خيار يلتقي حوله جميع اللبنانيين. ولا بد في النهاية أن يقتنع الجميع بالحوار، وقناعاتهم أصبحت بهذا الاتجاه، اما معارضتهم هي من أجل تحصيل بعض المكاسب الخاصة لا أكثر”.
وأمام هذه المراوحة، لا يبدو أن أي خرق محلي قادر على تغيير المعادلة، طالما بعض القوى السياسية متمترسة خلف خيارات غير مجدية.