يتجه المشهد الداخلي بسرعة فائقة نحو تجاوز كل الازمات والاولويات التي طبعت فترة الـ 11 شهرا من الفراغ الرئاسي حتى الان وتمحور كل الاهتمامات والاولويات “البديلة” وفق الخطاب الرسمي والسياسي السائدين على ملف حصري لا شراكة له هو ملف النزوح السوري الى لبنان. وقد بدا واضحا في معالم الأيام الأخيرة، ان كل التحركات والمعالجات والوساطات المتصلة بالازمة الرئاسية صارت معلقة ومجمدة حتى اشعار أخر فيما انخرط لبنان بكل مكوناته الرسمية والسياسية وعلى اختلاف التوجهات والمواقع السياسية في واقع “استنفاري” شكلا وخطابا إعلاميا حيال الخطر الكبير لتعاظم اعداد النازحين السوريين في لبنان على نحو غير مسبوق منذ انفجار الحرب في سوريا عام 2011. حتى ان اللافت في سياق هذا التحول الذي يعيشه المشهد الداخلي هو ان الافرقاء السياسيين الذين ترقبوا ولا يزالون يترقبون ويرصدون مسار ومصير الوساطتين الفرنسية والقطرية حيال الازمة الرئاسية، لم يتنبهوا على الأرجح الى ان أي تحرك او اعلان تحرك لم يصدر بعد عن أي من دول المجموعة الخماسية بعد انعقاد اجتماع ممثليها في نيويورك في 19 أيلول الماضي. واذا كان هذا الجمود ناجما عن انتظار ما ستقرره باريس لجهة التحرك المقبل للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في ظل الموقف المتفق عليه بين دول الخماسية لجهة عدم التمادي بعد الان في الوقت الضائع وضرورة وضع حد زمني للوساطة الفرنسية، فان عدم صدور أي مؤشر رسمي فرنسي منذ ما بعد اجتماع نيويورك حيال عودة لودريان الى بيروت في زيارة رابعة رسم تساؤلات إضافية حيال مآل هذه الوساطة ثم ان غياب الوضوح حيال حقيقة ما انتهت اليه جولة الموفد القطري زاد المشهد غموضا خصوصا وسط ما تردد عن ترجيح ارجاء زيارة أخرى لوزير الدولة القطري للشؤون الخارجية كانت مقررا ان تبدأ اليوم، وفي حال صح ذلك فان دلالات الارجاء أيضا لا تبعث على توقع أي تبديل إيجابي في واقع التحركات الديبلوماسية الخارجية المتصلة بأزمة الرئاسة. ورافقت ذلك تقارير إعلامية من واشنطن تنفي المعلومات او الايحاءات التي روجتها جهات معينة في لبنان حول زيارة قريبة لكبير مستشاري الرئيس الأميركي للطاقة آموس هوكشتاين لبيروت في اطار مسعى جديد لانجاز ملف ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل .
وإذ تبين ان محركات الوساطات الخارجية في طريقها تباعا الى “الاخماد”، تخوفت أوساط سياسية في قوى المعارضة من “الخمود” الدولي الموازي حيال ما يشهده لبنان من ضجيج عاصف متصاعد حيال معضلة تكاثف النازحين السوريين بما من شأنه ان يغذي كل ما يساق عن اخطار “غزو ديموغرافي” سوري للبنان فيما تصمت بريبة المرجعيات والمنظمات والكتل الدولية المعنية عن هذه الاخطار وتلتزم لغة خشبية تتشدد حيال بقاء النازحين السوريين من دون الاخذ في الاعتبار تلاشي كل قدرة في لبنان لتحمل اعبائهم الكارثية. حتى ان هذه الأوساط لفتت الى ان ثمة عشوائية إعلامية خطيرة باتت تتفشى في سوق الاعداد والنسب والأرقام من دون مرجعية موثوقة مع غياب فادح للدولة عن التدخل وإعلان الأمور بشفافية وصراحة وصدق، وهو الامر الذي يترك مفاعيل عكسية ولا يساهم في وضع الرأي العام اللبناني امام الحقائق غير القابلة للتوظيف السياسي.
“الاستنفار”
في أي حال تواصلت فصول “الاستنفار” المتعدد الاتجاهات حيال هذا الملف المتفجر مع تخصيص وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي مؤتمرا صحافيا امس للحديث عن تداعيات النزوح مشددا على أنّ “موضوع الوجود السوري الكثيف في لبنان يتخطّى إمكانات البنى التحتية والدولة ، والمواطنون لا يمكن أن يتحمّلوا هذا الوجود”. وكشف أنّ “عدداً كبيراً من الجرائم المتنوّعة والكبيرة يرتكبها السوريون في لبنان بنسبة تفوق الـ 30 في المئة، وهذا الموضوع يستدعي التعاون للحفاظ على بيئتنا وصورة وهوية بلدنا”. وأضاف مولوي :”لا يمكن أن نبقى في حالة تراخٍ أو تطنيش حيال الوجود السوري، وعمّمنا على كلّ البلديات أنّنا سنُحاسب كلّ شخص مقصّر بحقّ شعبه وبلدته ولن نسمح بالوجود السوري العشوائي”، طالباً من البلديات “تقديم تقرير دوريّ كلّ 15 يوماً عمّا فعلته بشأن الوجود السوري من قمع مخالفات وإزالة تعديات”. كما شدّد على “أنّنا في الوزارة خلية نحل دائمة ومستمرة لمعالجة الأزمة وللوقوف بوجه الأضرار الهائلة التي تلحق بلبنان واللبنانيين والديمغرافيا” وحذر من “أيّ مختار يُعطي إفادة كاذبة أو مزوّرة سنحقّق معه في الدوائر المختصة في وزارة الداخلية. “بلدنا مش للبيع” ولن نقبل بهذا الأمر. لن نقبل بالتغاضي عن مصلحة بلدنا لقاء مساعدات معيّنة أو مال معيّن يُدفع من أيّ جهة كانت”. كما أكّد “أنّنا نريد خطة لإعادة النازحين ضمن إطار زمني واضح واجتماعاتنا ليست لتنظيم الوجود السوري، ولن نقبل بأيّ مساعدات تهدف للتغاضي عن وجود أيّ سوري غير قانوني”.