تتواصل مسرحية النكد السياسي برتابة، أمام جمهور مخدّر، ينظر ولا يرى، يصغي ولا يسمع، وإن سمع لا يفهم. لا شيء في هذه المسرحية غير الثرثرة وأصوات «الكومبارس» العالية المتكرّرة بلا أي معنى، فيما الحريق يندلع في أرجاء القاعة.
مسرحية النكد السياسي، تدوم وتدوم، بالكذب والشعارات والاتهامات، وبعض الجمهور يُطرب لسماع ممثله المفضّل، مهما زعق ونشّز.
لا حياة لمن تنادي
توقفت محرّكات البحث الخارجية عن التنقيب عن قاسم مشترك، بين الأحزاب والتيارات اللبنانية، يمكن أن يُحدث خرقاً في العقول السياسية المتحجرة، وبالتالي في أزمة شغور موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية.
لا الوساطة الفرنسية نفعت، ولا المهمّة القطرية، ولا انهيار البلد وتفكّك مؤسسات الدولة، ولا معاناة اللبنانيين، ولا تعاظم النزوح السوري بلا حدود ولا قيود، أيقظت ضمائر سياسية لتتحاور بعضها مع بعض، وتبحث عن تسوية ممكنة، وتضع مصلحة البلد والشعب قبل حساباتها الخاصة، ولو لمرة واحدة، كما درجت العادة.
المبادرات الخارجية مستمرة
غير انّ مصدراً ديبلوماسياً غربياً كشف لـ«الجمهورية»، انّ الوساطتين الفرنسية والقطرية مستمرتان. فالموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان سيعود مرة جديدة الى لبنان، كما أنّ القطريين لن يوقفوا محاولاتهم إحداث خرق في لحظة معينة، تؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية، من دون أن يعطي تفاصيل إضافية.
أضاف المصدر، انّ فرنسا «تنظر إلى الوضع في لبنان بقلق كبير وتضامن عميق، وهي محبطة من العقبات السياسية التي تمنع البلاد من الإصلاح والنهوض. ومع ذلك، فإنّ فرنسا مصمّمة على البقاء إلى جانب الشعب اللبناني في هذه الظروف».
واعتبر المصدر، انّ كلمة السرّ في ملف الرئاسة اللبنانية هي أميركية اولاً واخيراً، وباتت مرتبطة اليوم بالتقدّم المُنجز في المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، بعيداً من الأضواء.
واكّد انّ لا أحد قادراً على اختيار رئيس في لبنان بعيداً من موافقة واشنطن وطهران معاً.
ابو الحسن: للتلاقي
وفي السياق، قال النائب هادي ابو الحسن لـ«الجمهورية»: «هناك استعصاء في الملف الرئاسي، ولا خروج منه إذا بقي كل طرف منا في مكانه ولم يتراجع خطوة، يجب النزول عن الشجرة التي صعد البعض اليها ظناً منه انّه سيحسّن شروطه. ولا حلّ في لبنان الاّ بالتوافق على شخصية وطنية قادرة ان تجمع، لأنّ مشروع الغلبة في لبنان غير قابل للتطبيق، ورئيس التحدّي غير قابل للنجاح، علينا ان نتلاقى مع اللجنة الخماسية».
وتابع ابو الحسن: «طالما كل طرف متمّسك برأيه يعني لا حل، لأنّ لا أحد قادراً ان يؤمّن الـ 65 صوتاً، ولا ان يضمن نصاب الـ 86، اذاً ماذا بعد هذه العبثية؟ إذا لم يكن احد قادر ان يؤمّن الأكثرية ولا نصاب الثلثين للجلسة، كيف نخرج بحل لموضوع الرئاسة؟».
واعتبر ابو الحسن، انّ «من يرفض الحوار بين اللبنانيين ايضاً يقوم بسياسة عبثية، لأنّ بلداً كلبنان فيه تركيبة متنوعة وتوازن في السلطة التشريعية، يجب ان تحصل فيه تفاهمات، والاّ البلد سيغرق أكثر. الموضوع الاقتصادي المالي الداهم، موضوع قيادة الجيش، وما أدرانا ماذا ينتظر الواقع الأمني في البلاد فيما لو شغر موقع قيادة الجيش ولم يكن هناك رئيس جمهورية، لا أحد ينتبه لهذه الأساسيات، الكل يتلهّى بالتفاصيل».
ورأى ابو الحسن انّ «الحل يكون بالجلوس سوياً والقيام بخطوة الى الخلف والتلاقي على مساحة مشتركة لإنتاج رئيس توافقي، وهناك الكثير من الشخصيات المارونية الكفوءة التي تستطيع ان تشكّل علامة جامعة وتعطي تطمينات لكل الأطراف. ويبقى الأهم كيف نشكّل الحكومة بعد انتخاب الرئيس، لانّ موضوع تشكيل الحكومة لا يقلّ اهمية عن انتخاب الرئيس ولا أحد يستطيع ان ينفرد بهذه العملية…».
سكاف: لمواكبة الحراك الخارجي
من جهته، قال النائب المستقل الدكتور غسان سكاف لـ«الجمهورية»، أن «لا معطيات جديدة حول الحراك الرئاسي، لذلك يجب مواكبة الحراك الخارجي بحراك داخلي للتوافق والتفاهم، والاّ سنبقى نراوح مكاننا. فالخارج ينتظر منا ان نتحرّك عبر اتصالات ولقاءات ومبادرات كما فعلنا سابقاً، وتمكنا من التوصل الى انعقاد جلسة انتخابية في 14 حزيران، ولو انّها لم تؤدِّ الى نتيجة بسبب تمسّك الأطراف بمواقفهم. وإذا لم نبادر سيفقد الخارج صبره منا». أضاف متسائلاً: «إذا توقفت المبادرة القطرية كما انتهت المبادرة الفرنسية ولم نتحرّك داخلياً، فالى أين سنصل؟».
الموقف السعودي
أما سعودياً، فقد علمت «الجمهورية»، انّ هناك إصراراً سعودياً على تطبيق اتفاق الطائف ورفض الخروج عن مندرجاته، وإتمام الاستحقاق الرئاسي ضمن الآليات الدستورية وعلى قاعدة توافقية تعكس ميزان القوى الداخلي وتفتح الباب أمام رئاسات لا أولوية لها خارج أولوية المصلحة اللبنانية العليا، فما تريده السعودية للبنان يندرج في إطار مصلحة لبنان واللبنانيين.
موقف المعارضة
وعلى الرغم من تعثر الخيار الثالث، غير أنّ «القوات اللبنانية» أبلغت الى «الجمهورية»، انّها تعتبر انّه «الوحيد القابل للتنفيذ بسبب ميزان القوى الذي يمنع على اي فريق من فريقي المعارضة والممانعة انتخاب مرشحه الرئاسي، وحيال التوازن السلبي القائم، لا حلّ سوى إما بالذهاب إلى جلسة بدورات متتالية حتى انتخاب مرشّح المعارضة أو مرشّح الممانعة، أو بالتوافق على مرشّح ضمن اللائحة التوافقية، شرط ان يكون يتمتع بمواصفات إصلاحية وسيادية».
واعتبرت مصادر قيادية في «المعارضة»، انّ «من غير المقبول ان يرفض الفريق الممانع الدورات المتتالية والخيار الثالث في الوقت نفسه، وأن يلجأ إلى التعطيل مراهناً على تبدّلات خارجية وداخلية تحقِّق له أغراضه السياسية، ونطمئن الممانعة انّ التراجع لن يحصل هذه المرّة، لا بل انّ الموقف الدولي انتقل في جزء منه من مبادرة لمصلحة الممانعة، إلى موقف صارم مع الخيار الثالث ولا عودة عنه، فيما المعارضة ليست في وارد النقاش في موقفها الدستوري».
ورداً على سؤال، هل يمكن عبر الحوارات الثنائية ان تتفقوا مع الطرف الآخر على الالتزام المتبادل بجلسة رئاسية تليها دورات متتالية لانتخاب رئيس؟
أجاب: «الفريق الممانع لا يريد دورات متتالية، وقد أبلغ الموفدين الفرنسي والقطري تمسّكه بمرشحه ورفضه الخيار الثالث، وبالتالي يتعامل مع الاستحقاق الرئاسي على قاعدة إما مرشحي أو استمرار الشغور، والشغور الذي يعيشه لبنان حالياً ليس الأول من نوعه، إنما في كل استحقاق رئاسي او حكومي يلجأ إلى التعطيل نفسه تحقيقاً لمآربه وأغراضه، ومع فارق هذه المرة انّ المعارضة لن تتنازل عن حقها بتطبيق الدستور، وما تحاول فعله هو إنهاء العادة التي درجت عليها الممانعة: التعطيل لانتزاع المكاسب».
كنعان يكشف الفضائح
مالياً، كشف رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان لـ«الجمهورية»، انّ اللجنة أحالت اكثر من مرّة تجاوزات الحكومات الى ديوان المحاسبة وكان ابرزها ملف قطوعات الحسابات الذي بلغت امواله التي أُنفقت من دون سند قانوني 27 مليار دولار، كما ملف التوظيف العشوائي الذي بيّن وجود 32 الف وظيفية غير قانونية.
وقال كنعان: «لو احترمت الحكومات المتعاقبة توصيات لجنة المال في مسألة المالية العامة، ولو أصدر القضاء المالي احكامه منذ ان أحالت اللجنة هذه المخالفات الى القضاء المختص، لما كنا وصلنا الى ما نحن عليه اليوم من انهيار».
أضاف: «انّ تعطيل القضاء، الذي يستكمل عمل الرقابة البرلمانية التي قمنا ونقوم بها، قد بات هو من يمنع فعلياً التعافي واستعادة الثقة بلبنان، وليست بضعة قوانين تحيلها الحكومة من هنا وهناك، ونعلم جيداً بأنّها بأكثرية الأحيان غير منطقية وواقعية، ولا تهدف جدّياً الى حلّ المسائل المطروحة، لاسيما وفي مثال على ذلك قضية الودائع ومعالجتها».
واكّد كنعان، «انّ مصرف لبنان كان يقوم بتمويل الحكومات والدولة من اموال المودعين من دون موازنات على مدى اكثر من 12 عاماً. وقد اعترضنا على هذا التمويل عندما أُحيلت بعض الموازنات».
وأضاف: «اصدرنا العديد من التوصيات والقرارات، وصولاً الى كتاب «الإبراء المستحيل» الذي تضمّن التدقيق بأكثر من 177 مليار دولار من الإنفاق من دون اي رقابة».
وختم: «القصة ليست قصة دور لجنة المال، بل قضية سلطة لا تحترم القانون والدستور، وقضاء يخضع للضغوط، ولجنة نيابية ازعجت الجميع وقامت بعمل كبير… ومن الضروري الذهاب الى مطالبة الحكومات ومصرف لبنان بالتوقف عن فتح حسابات غير قانونية، وعدم التعاطي بهذه الطريقة مع صرف المال العام، من خلال مراسلات وقرارات لا تستند الى واقع قانوني وتشريعي سليم».
النزوح
في سياق آخر، علمت «الجمهورية»، انّ في إحاطة مجلس الأمن حول سوريا، طُلب من الولايات المتحدة وروسيا، والصين، الدعم لإعادة إعمار سوريا بدلاً من تدفّق النازحين الى لبنان، فتأكّد الموقف الدولي السلبي خلال الاجتماع، حيث أصرّت الدول الغربية على عدم عودة النازحين وعدم إعادة إعمار المناطق المتضرّرة من دون حل سياسي. في المقابل، طالبت روسيا والصين بانسحاب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا وتعويض سوريا عن النفط المسحوب منها.
من جهتها، اشارت سوريا إلى عدم استعدادها لاستيعاب النازحين بسبب الدمار في البنية التحتية.
الخلاصة، انّ لبنان في أمسّ الحاجة إلى اعتماد استراتيجية واضحة لمواجهة أزمة النازحين والضغط على المجتمع الدولي للمشاركة في إعادة توطين النازحين خارج سوريا ولبنان بمساهمة أكبر من ذلك.
من جهتها، رأت «القوات اللبنانية»، انّ ملف اللاجئين السوريين أُخضع للدرس والمؤتمرات والمذكرات والمراسلات، وانّ هناك من يتعامل بجدّية مع هذا الملف الذي يشكّل عبئاً كبيراً على اللبنانيين، وهناك من يستخدمه، كعادته، للمزايدة السياسية، ولكن وسط هذه الصورة كلها أصبح من الضروري الانتقال من مرحلة البحث عن الحلول التي تراوح مكانها منذ سنوات، إلى الخطوات العملية التي لا بدّ منها، لإفهام من يجب إفهامه انّ لبنان لم يعد يحتمل استمرار وجود هؤلاء اللاجئين، خصوصاً انّه بلد عبور وليس لجوء، ومحاولات تحويله إلى بلد لجوء مرفوضة رفضاً باتاً.
وعلمت «الجمهورية»، انّ «القوات اللبنانية» تحضّر خطة تحرّك شاملة تمهيداً لوضع ملف اللاجئين على سكة العودة إلى ديارهم، او الخروج من لبنان باتجاه الدول القريبة والبعيدة لاستيعابهم، وجوهر هذه الخطة قائم على فكرة انّ التشاور مع الدول المعنية لا فائدة منه، بدليل مراوحة الأزمة منذ سنوات، فيما الوضع في لبنان لم يعد يحتمل هذه المراوحة.
وتنطلق «القوات» من قناعة «انّ النظام السوري لا يريد إعادتهم، وانّ المجتمع الدولي يدعم استمرار وجودهم في لبنان تجنّبا لمواجهة دوله هذه الأزمة، وانّ هناك من يواصل توظيف هذا الملف خدمةً لأغراضه السياسية، وبالتالي ما تحضِّر له «القوات» هو خطة عملية تُخرج هذا الملف من الإطار النظري إلى العملي».