قبل أيّام قليلة، وتحديداً بالتزامن مع بدء العام الدراسي الحالي 2023 ـ 2024، خرجت بعض الصحف ومحطات التلفزة والمواقع الإلكترونية ومنصّات وسائل التواصل الإجتماعي بعناوين لافتة للإنتباه، عندما أشارت إلى أنّ 700 ألف طالب سوري يتحضّرون للدخول إلى المدارس اللبنانية، في حملة بدت منسقة ومرتبة مسبقاً تهدف إلى التحريض على النّازحين السّوريين، وضمناً الطلّاب السّوريين، وتصورهم على أنّهم السبب الرئيسي الذي يقف وراء تراجع وتدهور جميع القطاعات في لبنان، وأنّهم باتوا يشكلون عبئاً ينوء لبنان تحت حمله.
لكنّ هذه الأرقام بدت فاضحة وغير صحيحة، وتناقض المعلومات الرسمية وغير الرسمية عن واقع وعدد الطلّاب السّوريين في لبنان، واتضح أنّها أرقام تهدف إلى كلّ شيء إلّا قول الحقيقة التي بدت غائبة كليّاً عنها.
فقد كشفت أرقام النشرة الإحصائية للمركز التربوي للبحوث والإنماء للعام 2022 – 2023، وتعتبر الأكثر دقّة من بين جميع المصادر الأخرى في هذا المجال، بأنّ مجموع أعداد التلامذة بلغ نحو 303 آلاف، موزّعين كالآتي: لبنانيون (263 ألفاً و687 تلميذاً)، سوريون (31 ألفاً و269 تلميذاً دوام قبل الظهر، و149 ألفاً دوام بعد الظهر)، فلسطينيون (3 آلاف و962 تلميذاً)، وجنسيات أخرى (3 آلاف و181 تلميذاً)، ما طرح علامات إستغراب حول إذا كان عدد الطلّاب السوريين العام الدراسي الفائت تجاوز بقليل 180 ألف تلميذ فمن أين أتى الـ520 ألف تلميذ سوري إضافي، كما إدّعى البعض، الذين سيدخلون المدارس الرسمية اللبنانية في الموسم الدراسي الحالي؟
هذا التضارب في المعلومات والأرقام إتضح أنّ الهدف منه إبتزاز الجهات المانحة، عربياً ودولياً، للحصول منها على مزيد من الأموال، إتضح بأنّها لا تذهب إلى وجهتها الصحيحة، وإذا ذهبت لا يذهب منها إلّا القليل، أو أنّها لا تذهب أصلاً، بل تضيع في متاهات الفساد المستشري بشكل واسع، بعدما تحوّل ملف النّازحين السّوريين في لبنان إلى دجاجة تبيض ذهباَ بالنسبة لبعض الجهات السّياسية والإقتصادية والتربوية والإجتماعية.
هذا التفاوت غير المنطقي في أعداد التلاميذ السّوريين المُسجلين في المدارس اللبنانية، سواء الرسمية أو الخاصّة منها، ينسحب على أعداد النّازحين الإجمالي أيضاً. ففي حين تشير أرقام المفوضية العليا للاجئين أنّ عدد هؤلاء النّازحين يقارب 800 ألف نازح، يُصرّ البعض على أنّهم تجاوزوا مليوني نازح، من غير أن يوضح مصدر معلوماته ولا دقّتها، سوى أنّها أرقام تهدف إلى التحريض على النّازحين السّوريين لأسباب سياسية وإقتصادية وطائفية، وجعلهم شمّاعة ترمى عليهم كلّ أزمات البلاد، وليس نشر الحقيقة ومواجهة الأزمة بلا تضخيم وإثارة مخاوف وقلاقل.
أحد الأمثلة على ذلك ما نُشر مؤخّراً من معلومات عن أنّ عدد النّازحين السّوريين في الشوف أكبر من عددهم في عكّار مثلاً، برغم أنّ الأخيرة منطقة حدودية يسهل الدخول إليها، وتتميّز بأنّها منطقة تستوعب أعداداً كبيرة من اليد العاملة للنّازحين في القطاع الزراعي، عكس منطقة الشوف البعيدة عن الحدود، والتي تعتبر منطقة جبلية في قسم كبير منها، وتتوقف فيها بنسبة كبيرة الدورة الإقتصادية شتاءً؛ فكيف يمكن توضيح هذا التناقض سوى أنّ الأرقام في لبنان، كما قال الرئيس سليم الحص يوماً، هي “وجهة نظر”.