عندما رفع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، في 14 حزيران الفائت، الجلسة الـ12 التي عقدها المجلس لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، من غير أن تفضي إلى أيّ نتيجة بسبب عدم إكتمال النصاب في الدورة الثانية من تلك الجلسة، راهن كثيرون على أنّ الإنفراج الرئاسي، وإنْ لم تكتمل فصوله بعد، فإنّ شهر أيلول يرجح أن يشهد حلحلة ما، قد تسفر عن خروج الدخان الأبيض من قاعة مجلس النوّاب وسط العاصمة بيروت.
إستندت آمال هؤلاء المتفائلين إلى عدّة عوامل، أولها مجيء الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان، في أولى جولاته، في 26 حزيران الفائت، ما أعطى مؤشّرات أنّ الدول الإقليمية والدولية المؤثّرة في الداخل اللبناني (فرنسا، الولايات المتحدة، السعودية، مصر وقطر) قد وضعت لبنان على سكّة الحل.
وترافق ذلك، بلا ضجيج إعلامي، مجيء الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني الى لبنان في جولة موازية لجولة لودريان، فُسّرت بداية الأمر على أنها جولة دعم إسناد للموفد الفرنسي، بهدف التوصل إلى صيغة تسوية حول الإستحقاق الرئاسي، وتسويقها في الداخل اللبناني مع الأطراف المعنية.
وتزامن هذا بدوره مع عودة قنوات الحوار والتنسيق بين حزب الله والتيّار الوطني الحرّ، بعد فترة من القطيعة بسبب عدم توافق الطرفين على مقاربة الملف الرئاسي، بسبب رفض رئيس التيّار الوطني الحر النائب جبران باسيل الموافقة على تبنّي ترشيح رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية الذي أعلن الحزب دعم ترشيحه إلى آخر الشوط، واضعاً شروطا عالية السقف أمام الحزب مقابل الموافقة على ترشيح الزعيم الزغرتاوي للرئاسة الأولى.
كلّ ذلك جاء وسط أجواء تقارب إقليمي بين السّعودية وإيران، ودولي بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي وبعد الإفراج عن أموال ايرانية كانت محتجزة في مصارف دولية عدة، ما جعل الآمال ترتفع في الداخل اللبناني بأن يكون ما يحصل مقدمة لوضع البلاد على سكّة الحل، وأن تشهد إنفراجاً في الملف الرئاسي يكون موعده في أيلول.
غير أنّ أيلول إنقضى من غير أن يشهد أيّ حلحلة أو إنفراجاً في هذا المجال، ولم يكن طرفه مبلولاً رئاسياً كما أمل كثيرون، لا بل إنّه مضى وعادت معه الأمور إلى نقطة الصفر، بعد أن غادر لودريان لبنان وهو يجر خلفه أذيال الخيبة بعد 3 جولات، ومحاولة الموفد القطري ملء الوقت بعده، وتجميد رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي مبادرته الحوارية حول الملف الرئاسي بعدما رفض قطبا السّاحة المسيحية، التيّار والقوات اللبنانية، كلّ لأسبابه، الحوار قبل الإنتخابات الرئاسية، ما أدخل البلاد في متاهة جديدة ليس معروفاً متى سيخرج منها، في ظلّ عدم وجود أيّ مؤشرات في الأفق توحي بـ”هطول” الحل في المدى المنظور.