تحمل الصور ومقاطع الفيديو الآتية من مدينة إسطنبول وبقية المدن والمناطق التركية، يوم أمس، وقبلها المدن والمناطق اليونانية، مشاهد مقلقة جدّاً بالنسبة للبنانيين، وتدعوهم للخوف ممّا يمكن أن يحمله معه المنخفض الجوي “إلياس” الذي أغرق شوارع وساحات المدن التركية واليونانية بالمياه، وخلّف أضراراً لم يتم بعد التمكّن من إحصائها، وإنْ كانت المؤشّرات الأولية تشير إلى أنّها كبيرة جدّاً.
وينبع قلق اللبنانيين وتزداد مخاوفهم ليس من المطر بحدّ ذاته كون هطوله في نظر أغلبيتهم نعمة من الله، وبأنّ الأمطار تحمل معها دائماً الخير للإنسان والحيوان والشجر والتربة، إنّما لأنّ البنى التحتية في لبنان إهترأت وأُهملت وهناك تعدّيات عليها وعلى الاملاك العامّة، وهناك تقاعسٌ واضحٌ في صيانتها، إلى حدّ أنّها لم تعد قادرة على استيعاب أيّ كمية أمطار قد تهطل، فكيف الحال إذا كانت هذه الأمطار غزيرة، ما جعل كثيرين يتوقعون أن يغرق البلد في أول شبر مياه.
وارتفع منسوب القلق لدى المواطنين عندما شاهدوا الآثار السلبية للمنخفض الجوي في تركيا واليونان، وهما بلدان يملكان بنية تحتية جيدة وتحظى برعاية وصيانة دائمتين، فكيف الحال سيكون في لبنان، البلد الذي بالكاد يملك الحدّ الأدنى من البنى التحتية، ما جعل المخاوف ترتفع من وقوع كوارث طبيعية لن يقدر المواطنون والدولة على مواجهتها أبداً بالإمكانات الضعيفة جدّاً التي يمتلكونها.
وتحوّل الخوف والقلق عند اللبنانيين إلى كوابيس بالنسبة لكثيرين خوفاً من أن تؤدّي التعدّيات على الأملاك العامّة، وتحديداً مجاري الأنهر والأودية والشّاطىء من العريضة إلى النّاقورة، أن تشهد البلاد في بعض مناطقها كوارث وأن تصبح منكوبة، كما حصل في مدينة درنة الليبية التي ضربها إعصار “دانيال” في 11 أيلول الماضي، ودمّر أكثر من ثلث المدينة التي اختفت من الوجود بعدما جرفتها السيول الهادرة إلى أعماق البحر، بسبب إنهيار سدّين للمياه أصابهما إهتراء وتشقق نتيجة الإهمال وعدم الصيانة، فوقعت كارثة كبيرة ما يزال أهالي درنة يلملمون آثارها، بعدما أوقعت أكثر من 12 ألف قتيل، وآلاف المفقودين والجرحى، فضلاً عن دمار هائل أصاب المدينة وغيّر معالمها.
وما زاد من عوامل الإرباك والقلق أنّ وزارة الأشغال العامّة والبلديات وإتحادات البلديات في مختلف المناطق اللبنانية، لم تقم بما يلزم لتعزيل وتنظيف الأنهر والأودية القريبة من المناطق السكنية وكذلك مجاري المياه وقنوات تصريف مياه الأمطار والطرقات والشّوارع من النفايات والمخلّفات، لأنّ تراكمها بشكل عشوائي يعتبر الخطر الأكبر الذي يمكن أن يؤدّي إلى وقوع كوارث.
وإذا كانت حجّة هؤلاء، الوزارة والبلديات وإتحادات البلديات، بأنّهم لا يملكون أموالاً أو إمكانات وقدرات للقيام بهذه المهمّة، فضلاً عن عدم إلتزام المواطنين بعدم رمي النفايات في هذه المناطق أو قيامه بتعدّيات على أملاك عامة لتأمين منافع شخصية، فإنّ كلّ هذه التبريرات لن تجدي نفعاً عند وقوع الكارثة، وهي ستأخذ في طريقها ـ في حال وقوعها لا سمح الله ـ الصالح والطالح معاً، وحينها لن ينفع الندم.